عتوهم وغلوهم في المكابرة والعناد، مع تعاضد موجبات الإيمان من جهته تعالى. وأما نسبة كفرهم إلى علمه تعالى وقضائه فربما يتوهم أنهم معذرون فيه بحسب الظاهر لأن التفريق بين القدرة والحكمة، اللتين هما محل التحقيق والتشريع، قد خفي على مهرة العلماء، فضلاً عن غيرهم. فالحكم بزيادة «كان» أقرب كأنه قيل: إِن في ذلك لآيةً باهرة موجبة للإيمان، وما أكثرهم مؤمنين مع ذلك لغاية عتوهم وعنادهم. ونسبة عدم الإيمان إلى أكثرهم لأن منهم من سبق له أنه يؤمن.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على كل ما يريد من الأمور، التي من جملتها: الانتقام من هؤلاء، الرَّحِيمُ المبالغ في الرحمة، ولذلك يمهلهم، ولا يؤاخذهم بغتة بما اجترءوا عليه من العظائم الموجبة لفنون العقوبات. وفي التعرض لوصف الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره- عليه الصلاة والسلام-، من تشريفه والعِدَة الحقيّة «١» بالانتقام من الكفرة ما لا يخفى. قاله أبو السعود.
الإشارة: أوَ لم يروا إلى أرض النفوس الطيبة، كم أنبتنا فيها من كل صنف من أصناف العلوم الغريبة، والحِكَم العجيبة، بعد أن كانت ميتة بالجهل والغفلة، إنَّ في ذلك لآيةً ظاهرة على وجود الخصوصية فيها، وعلى كمال من عالجها حتى ظهرت عليها. أو: أولم يروا إلى أرض العبودية، كم أنبتنا فيها من أصناف الآداب المرضية، والمقامات اليقينية، والمكاشفات الوهبية، إِن في ذلك لآيةً، وما كان أكثرهم مؤمنين بهذه الخصوصية عند أربابها، وإن ربك لهو العزيز الرحيم، يُعز من يشاء، ويرحم بها من يشاء. وبالله التوفيق.
ثم شرع فى قصص الأنبياء تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وبدأ بموسى عليه السّلام لشدة معالجته لقومه، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر يا محمد إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أي: وقت ندائه إياه، وذَكِّر قومك بما جرى على قوم فرعون بسبب تكذيبهم زجراً لهم، وتحذيراً من أن يحيق بهم مثل ما حاق بإخوانهم المكذبين.