للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو: واذكر حاله لتتسلى به وبما عالج مع قومه، حيث أرسله وقال له: أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، أو: بأن ائْتِ القومَ الظالمين بالكفر والمعاصي، أو: باستعباد بني إسرائيل وذبح أبنائهم. قَوْمَ فِرْعَوْنَ: عطف بيان، تسجيل عليهم بالظلم، ثم فسرهم، وقل لهم: أَلا يَتَّقُونَ الله، ويتركون ما هم عليه من العتو والطغيان. وقرئ بتاء الخطاب على طريقة الالتفات، المنبئ عن زيادة الغضب عليهم، كأنَّ ظلمهم أدى إلى مشافهتهم بذلك. وليس هذا نفس ما ناداه به، بل ما في سورة طه من قوله: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ.. «١» إلخ، واختصره هنا لمقتضى المقام.

قالَ موسى عليه السلام متضرعاً إلى الله عزَّ وجَلَّ: رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ من أول الأمر، وَيَضِيقُ صَدْرِي بتكذيبهم إياي، وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي بأن تغلبني الحمية على ما أرى من المحال، وأسمع من الجدال، أو: تغلبني عقدة لساني، فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ أخي، أي: أرسل جبريل إليه، ليكون نبياً معي، أَتَقَوَّى به على تبليغ الرسالة. وكان هارون بمصر حين بُعث موسى بجبل الطور. وليس هذا من التعلل والتوقف في الأمر، وإنما هو استدعاء لما يُعينه على الامتثال، وتمهيد عذره.

ثم قال: وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ أي: تبعة ذنب بقتل القبطيّ، فحذف المضاف، أو: سمّي تبعة الذنب ذنباً، كما يُسَمَّى جزاء السيئة سيئة. وتسميته ذنباً بحسب زعمهم. فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ به قصاصاً. وليس هذا تعللا أيضاً، بل استدفاع للبلية المتوقعة، وخوف من أن يقتل قبل أداء الرسالة، ولذلك وعده بالكلاءة، والدفع عنه بكلمة الردع، وجمع له الاستجابتين معاً بقوله:

قالَ كَلَّا فَاذْهَبا لأنه استدفعه بلاءهم، فوعده بالدفع بردعه عن الخوف، والتمس منه رسالة أخيه، فأجابه بقوله: فَاذْهَبا، أي: جعلتُه رسولاً معك فَاذْهَبا بِآياتِنا أي: مع آياتنا، وهى اليد والعصا وغير ذلك، فقوله: فَاذْهَبا: عطف على مضمر، يُنبئ عنه الردع، كأنه قيل: ارتدع يا موسى عما تظن، فاذهب أنت ومن استدعيته مصحوباً بآياتنا، فإنها تدفع ما تخافه.

إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ أي: سامعون ما يقال لك، وما يجرى بينكما وبينه، فنظهر كما عليه. شبَّه حاله تعالى بحال ذي شوكة قد حضر مجادلة، فسمع ما يجري بينهم، فيمد أولياءه وينصرهم على أعدائهم مبالغة في الوعد بالإعانة، فاستعير الاستماع، الذي هو الإصغاء للسمع، الذي هو العلم بالحروف والأصوات، وهو تعليل للردع عن الخوف، ومزيد تسلية لهما، بضمان كمال الحفظ والنصر، كقوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى «٢» .

ْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ

، ليس هذا مجرد تأكيد للأمر بالذهاب لأن معنى هذا:

الوصولُ إلى المرسل إليه، والذهاب: مطلق التوجه، ولم يُثَنَّ الرسول هنا كما ثناه في سورة طه «٣» لأن الرسول


(١) الآية ١٢ من سورة طه.
(٢) الآية ٤٦ من سورة طه.
(٣) فى قوله: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ، الآية ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>