ولما عاتب الله بني إسرائيل ووبخهم استثنى من آمن منهم، فقال:
[[سورة البقرة (٢) : آية ١٢١]]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١)
قلت: جملة (يتلونه) حال، و (أولئك) خبر الموصول.
يقول الحق جلّ جلاله: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، كعبد الله بن سلام وأصحابه، حالتهم يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ غير محرّفين له، ولا كاتمين ما فيه، أُولئِكَ هم الذين يُؤْمِنُونَ بِهِ حقيقة، وأما غيرهم ممن حرف وكتم صفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقد كفر به، وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي: الكاملون في الخسران، حيث بخسوا أنفسهم من عَزِّ الدارين.
الإشارة: ما قيل في التوراة وأصحابه يقال مثله في القرآن وأهله فمن آتاه الله القرآن، وتلاه حق تلاوته، بحيث جَوَّدَ حروفه وتَدبَّر معانيه، وعمل بما فيه، فأولئك هم المؤمنون به حقا، والفائزون بثمار معانيه حلاوة وذوقاً، ومن ترك التدبر في معانيه فقد حرم نفسه ثمار حلاوته، وذلك عين الخسران عند أهل الإيقان. وبالله التوفيق.
ثم رجع الحقّ تعالى إلى تذكيرهم بالنعم، فقال:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٣]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣)
قلت: جملة (لا تجزي) : نعت ليوم، وحذف العائد، أي: لا تجزي فيه نفس، قال المرادي: (إذا نعت بالجملة اسم زمان جاز حذف عائده) ثم استدل بالآية. وهل حذف برمته أو بالتدريج؟ قولان.
يقول الحق جلّ جلاله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ بأن جعلت الأنبياء تسوسكم، والملوك منكم يدبرون أموركم، وفَضَّلْتُكُمْ على عالم زمانكم، فاشكروا هذه النعم بالإيمان بالرسول الذي أرسلته إليكم، وخافوا أهوال يوم القيامة، الذي لا تغنى فيه نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها فداء إن أرادت الفداء، وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ
شافع، ولا يدفع عنها أهوال ذلك اليوم ولي ولا ناصر، إلا من اتخذ يداً عند الملك القادر، وبالله التوفيق. وتقدمت إشارة هذه الآية في الآية الأولى.