أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا وكدرها، مِنَ الْآخِرَةِ، بدل الآخرة ونعيمها، فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: التمتع بها في جانب الآخرة، إِلَّا قَلِيلٌ مستحقر، لسرعة فنائه ومزجه بالكدر.
إِلَّا تَنْفِرُوا مع رسوله إلى ما استنفرتم إليه، يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً في الدنيا والآخرة في الدنيا:
بالإهلاك بأمر فظيع، كقحط وظهور عدو، وغير ذلك من المهلكات، وفي الآخرة: بعذاب النار. وَيَسْتَبْدِلْ مكانكم قَوْماً غَيْرَكُمْ في الدنيا، يكونون مطيعين لله ورسوله، كأهل اليمن وأمثالهم، وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً إذ لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئاً، فإنه الغني عن كل شيء، في كل وقت. وقيل: الضمير للرسول صلّى الله عليه وسلّم فإن الله وعده بالعصمة والنصرة، ووعده حق، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يعجزه شيء، فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا مدد، كما فعل معه في الغار والهجرة، على ما ياتي.
الإشارة: ما لكم إذا قيل لكم: انفروا إلى من يُعرفكم بالله، ويعلمكم كيف تجاهدون نفوسكم في طلب مرضاة الله، اثاقلتم وأخلدتم إلى أرض الحظوظ والشهوات، أرضيتم بالحياة الدنيا الدنية، بدل الحياة الأبدية، في الحضرة القدسية؟ أرضيتم بحياة الأشباح بدل حياة الأرواح؟ فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا الفانية في جانب الحياة الأبدية في الحضرة العلية، إلا نزر قليل حقير ذليل، إلا تنفروا لجهاد نفوسكم، يُعذِّبكم عذاباً أليماً، بغم الحجاب، وشدة التعب والنصب، وتوارد الخواطر والهموم، وترادُف الأكدار والغموم، ويستبدل قوماً غيركم يكونون عارفين بالله، مَرْضيين عند الله، راضين عن الله، واللهُ على كل شيءٍ قدير.
قلت:«إن» : شرط، وجوابه محذوف، دلّ عليه قوله: فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ أي: إن لم تنصروه فسينصره الله، الذي نصره حين أخرجه الذين كفروا، حال كونه ثاني اثنين، فدل بنصره في الماضي على نصره في المستقبل، وإسناد الإخراج إلى الكفرة لأن همهم بإخراجه أو قتله كان سبباً لإذن الله له في الخروج، و (إذ هُما) : بدل من (أخرجه) بدل البعض، و (إذ يقول) : بدل ثان، و (كلمة الله) : مبتدأ، و (العليا) : خبر. وقرأ يعقوب: بالنصب عطفاً على كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا، والأول: أحسن للإشعار بأن كلمة الله عالية في نفسها، فاقت غيرها أم لا.