إبراهيم عليه السلام، أو: إن في ذكر نبأه، وتلاوته عليهم، على ما هو عليه، من غير أن تسمعه من أحد، لآية عظيمة دالة على أن مانتلوه عليهم وحْيٌ صادق، نازل من جهته تعالى، موجبة للإيمان به، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أي: وما أكثر هؤلاء، الذين تتلو عليهم هذه الأنباء، مؤمنين، بل هم مُصِرُّون على ما كانوا عليه من الكفر والضلال. ولا يحسن رجوعه لقوم إبراهيم، على أن كانَ أصلية لأنه لم يؤمن من قومه إلا لوط فقط.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ أي: هو القادر على تعجيل العقوبة لقومك، ولكنه يمهلهم بحلمه ورحمته ليؤمن بعض منهم أو من ذريتهم. وبالله التوفيق.
«لا يُخَافُ أن تلتبس الطرقُ عليك، إنما يُخَافُ من غلبة الهوى عليك» وقيل لأهل الهوى: أين ما كنتم تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله، من الحاملين لكم على البقاء مع الحظوظ والشهوات، هل ينصروكم أو ينتصرون؟ فكُبكبوا في الحضيض الأسفل، هم والغاوون لهم، الذين منعوهم من الدخول في حضرة الأولياء، وجنود إبليس أجمعون. قالوا- وهم في غم الحجاب ونار القطيعة يختصمون-: تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين في المحبة والميل، وما أضلنا إلا المجرمون، الذين حكموا بقطع التربية على الدوام، وسدوا الباب في وجوه الرجال، فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم، يشفع لنا حتى نلتحق بالمقربين. هيهات لا يكون اللحوق بهم إلا بالدخول معهم، في مقام المجاهدة في دار الدنيا، ثم يتمنون الرجوع ليُصدِّقوا بهم، وينخرطوا في سلكهم، فلا يجدون له سبيلا. وبالله التوفيق.