للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعُزير والتوراة، وكفروا بعيسى ومحمد صلّى الله عليه وسلم، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، أي: طريقًا وسطًا بين الإيمان والكفر، ولا واسطة، إذ الحق لا يختلف، فإن الإيمان بالله إنما يتم برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه، تفصيلاً وإجمالاً، فالكافر بالبعض كالكافر بالكل في الضلال. ولذلك حكم عليهم بصريح الكفر فقال: أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا أي: هم الكاملون في الكفر حقيقة، وإنما أكد كفرهم لأنهم تحكموا على الله، واتخذوا إلههم هواهم، حيث جعلوا الاختيار لهم دون الله، وفي ذلك منازعة للقدر، وتعطيل له، وهو كفر وشرك، ثم ذكر وعيدهم فقال: وَأَعْتَدْنا أي: هيأنا لِلْكافِرِينَ منهم عَذاباً مُهِيناً أي: يخزيهم ويهينهم، حين يُكرِّم أولياءَه ويرفع أقدارهم. جعلنا الله منهم. آمين.

الإشارة: الأولياء على قَدم الأنبياء، فمن فرق بينهم حرم بركةَ جميعهم، ومن صدَّق بجميعهم وعَظَّمَهم اقتبس من أنوارهم كلهم، والله- تعالى- غيور على أوليائه، كما كان غيورًا على أنبيائه، فطرد من فرَّق بينهم، فكذلك يطرد من يقع في بعض أوليائه ويعظم البعض، لأن البعض هو الكل. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر من لم يفرق، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ١٥٢]]

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢)

قلت: (بين) : من الأمور النسبية، فلا بد أن تدخل على متعدد، تقول: جلست بين فلان وفلان، وإنما دخلت هنا على (أحد) لأنه يقتضي متعددًا لعمومه، لأنه وقع في سياق النفي. قاله البيضاوي.

يقول الحق جلّ جلاله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وما يجب له من الكمالات، (ورسله) وما يجب لهم كذلك، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ بأن آمنوا بجميعهم، وصدقوا بكل ما جاءوا به من عند ربهم، أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ «١» أُجُورَهُمْ الموعودة لهم، بأن نُجِلَّ مقدارهم، ونرفع مقامهم، ونُبوئهم في جنات النعيم.

وتصديره بسوف لتأكيد الوعد والدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر وقته، ولمًا كان العبد لا يخلو من نقص، رفع الخوف عنهم بقوله: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لِما فرط منهم رَحِيماً بهم بتضعيف حسناتهم.

الإشارة: والذين صدقوا بأولياء الله، وعظموا جميعهم، واقتبسوا من أنوارهم كلهم، أولئك سوف نؤتيهم أجورهم، بأن أُنعمهم في جنات المعارف في دار الدنيا، فإن ماتوا أسكنّاهم فى الفراديس العُلَى (في مَقْعَدِ صِدْقٍ عند مليك مقتدر) . والله تعالى أعلم.


(١) قرأ حفص عن عاصم (يوتيهم) بالياء، وقرأ الباقون بالنون. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>