جسم مستدير، وأنهن تسعة، وهل هى السموات السبع، فيكون الكرسي ثامنًا، والعرش تاسعًا، أو غيرهن، فتكون تحت السموات أو فوقها؟ قولان لهم. والمراد هنا: الجنس، كقولك: كَسَاهُمُ الأميرُ حلةٌ، أي: حُلة حُلةً، وجعل الضمير واو العقلاء لأن السباحة حالُهم.
قال في المستخرج من كتاب الغزنوني:«كُلٌّ» أي: كل واحد من الشمس والقمر وسائر السيارة، وإن لم تذكرن لأنه جمعَ قوله:(يُسَبِّحُونَ) والمعنى: يجرون كالسابح، أو يدورون، والسيارة تجري في الفلك على عكس جري الفلك، ولها تسعة أفلاك، فالقمر في الفلك الأدنى، ثم عطارد، ثم الزهرة، ثم الشمس، ثم المريخ، ثم المشتري، ثم زُحل، والثامن: فلك البروج، والتاسع: الفلك الأعظم. هـ. وقال في سورة يس: خص الشمس والقمر هنا، وفي سورة الأنبياء لأن سيرهما أبدًا على عكس دور الفلك، وسَيْر الخمسة قد يكون موافقًا لسيره عند رجوعها. هـ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: أوَ لَم ير الذين كفروا بوجود التربية أن سموات الأرواح وأرض النفوس كانتا رتقًا صلبة، ميتة بالجهل، ففتقناهما بالعلوم وأسرار التوحيد؟ والمعنى: أن بعض الأرواح والنفوس تكون ميتة صلبة، فإذا صَحِبَتْ أهل التربية، انفتقت بالعلوم والأسرار، فهذا شاهد بوجود أهل التربية، ومن قال بانقطاعها فقوله مردود بالمشاهدة.
وجعلنا من ماء الغيب- وهي الخمرة الأزلية- كلَّ شيء حي، أفلا يؤمنون بوجود هذا الماء عند أربابه؟ وجعلنا في أرض النفوس جبالاً من العقول لئلا تميل إلى الهوى فتموت، وجعلنا فيها طُرقًا يسلك منها إلى الحضرة، وهي كيفية الرياضة وأنواع المجاهدة، وهي طرق كثيرة، والمقصد واحد، وهو الوصول إلى الفناء والبقاء، التي هي معرفة الحق بالعيان، وهو قوله تعالى:(لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) إلى الوصول إلى حضرتنا.
وجعلنا السماء، أي: سماء القلوب الصافية، سقفًا محفوظًا من الخواطر والوساوس والشكوك والأوهام والشياطين، قال بعضهم:(إذا كان الحق تعالى قد حفظ السماء بالشهب من الشياطين، فقلوب أوليائه أولى بالحفظ) . وهم عن آياتها، أي: عن دلائل حفظها وصيانتها معرضون لانهماكهم في الغفلة. وهو الذي خلق ليل القبض ونهار البسط وشمس العرفان وقمر توحيد الدليل والبرهان، كلٌّ في موضعه، لا يتعدى أحد على صاحبه، ولكل واحد سير معلوم وأدب محتوم. وبالله التوفيق.
ولمّا قامت الحجة على الكفرة بما ذكرَ من الآيات والدلائل القاطعة، وانقطعوا، قالوا: ننتظر به ريب المنون، فنستريح منه، فأنزل الله تعالى: