الثالثة: الجمع الأتم، وهو الحال الذي يقضي بقطع الإشارات، والشخوص عن الأمارات والعلامات، بعد صحة التمكين والبراءة من التلوين.
الرابعة: الصحو، وهو عبارة عن تمكين حال المشاهدة، واتصالها، مع برء الروح من لدغات الدَّهَشِ، ولا يكمل الصحو إلا بحياة الروح بوارد الجمع الدائم.
الخامسة: التحقيق، وهو الوصول إلى المعرفة بالله، التي لا تدْركُ بالحواس، لتخليص المشرب من الحق بالحق في الحق، حتى تسقط المشاهدات، وتبطل العبارات، وتفنى الإشارات.
السادسة: البسط، ونعني به: بسط الروح باسترسال شهود المعاني عند سقوط الأواني، وفي ذلك يقول ابن الفارض:
فما سكَنتْ والهمَ يوماً بموضِعٍ ... كذلك لم يسكُنْ مع النغَم الغَمُّ
السابعة: التلبيس، وهو تغطية الأسرار بأستار الأسباب، إبقاء للحكمة وستراً عن العامة.
الثامنة: البقاء، والمراد به الخروج عن فناء المشاهدة إلى بقاء المعرفة، من غير أفول يخل بشمس المشاهدة، ولا رجوع إلى شواهد الحس، إنما هو استصحاب الجمع مع استئناس الروح بحلاوة المعاني، فهو كبائِن دانٍ. انظر بقيتها فى [بغية السالك] . وبالله التوفيق.
ثم قوّى قلوب أهل أحد لمّا انكسرت بالهزيمة، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٧ الى ١٣٩]
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)
قلت: السّنن: الطرق المسلوكة، وقيل: الأمم.
يقول الحق جلّ جلاله: قد مضت مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ جرت على الأمم المكذبة لأنبيائها قبلكم، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، وهو إمهالي واستدراجي إياهم، حتى يبلغ الكتاب الذي أجل لهم، فإذا بلغهم أهلكتهم، وأدلتُ الأنبياء وأتباعَهم عليهم، فإذا هلكوا بقيت آثارهم دارسة، اعتباراً لمن يأتي بعدهم، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ وتعرفوا أخبارهم، وانظروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ لأنبيائهم قبلكم، فكذلك يكون شأنكم مع مَنْ كذَّبكم.
هذا الذي أمرتكم به من الاعتبار، بَيانٌ لِلنَّاسِ لمن أراد أن يعتبر من الكفار، وزيادة هداية واستبصار لِلْمُتَّقِينَ.