الإشارة: يقول الحق جلّ جلاله: لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ، ولكن اجعلوه عرضة لتعظيم قلوبكم ومشاهدة لأسراركم، فإني ما أظهرت اسمي لتبتذلوه في الأيمان والجدال، وإنما أظهرت اسمي لتتلقَّوْه بالتعظيم والإجلال، فمن عظَّم اسمي فقد عظَّم ذاتي، ومن عظم ذاتي جعلته عظيماً في أرضي وعند أهل سمواتي، وجعلته برّاً تقيّاً، من أهل محبتي وودادي، وداعياً يدعو إلى معرفتي، ويصلح بيني وبين عبادي، فمن حلمي ورأفتي: أني لا أؤاخذ بما يجري على اللسان، وإنما أؤاخذ بما يقصده الجَنَان.
تنبيه: كثرة الحلف مذموم يدل على الخفة والطيش، وعدم الحلف بالكلية تعسف، وخيرُ الأمور أوسطها، كان عليه الصلاة والسلام يحلف في بعض أحيانه، يقول:«لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» ،: «والذي نفس محمد بيده» .
قلت:(الإيلاء) : يمين زوج مكلَّف على عدم وطء زوجته، أكثر من أربعة أشهر. وآلى: بمعنى حلف، يتعدى بعلى، ولكن لما ضُمَّن هنا معنى البُعد من المرأة، عُدّي بمن، و (تربص) : مبتدأ، و «للذين يؤلون» : خبر.
يقول الحق جلّ جلاله: لِلَّذِينَ يبعدون مِنْ نِسائِهِمْ ويحلفون ألاَّ يجامعوهن أكثر من أربعة أشهر، غضباً وقصداً للإضرار، تَرَبُّصُ أي: تمهل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لا يُطالبُ فيهن بفيئة ولا حنث، فَإِنْ فاؤُ أي: رجعوا عما حلفوا عليه، وحنثوا وكفَّروا أيمانهم، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما قصدوا من الإضرار، بالفيئة التي هي كالتوبة، رَحِيمٌ بهم حَيث لم يعاجلهم بالعقوبة، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ أي: صمموا عليه، ولم يرجعوا عما حلفوا عليه، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لطلاقهم، عَلِيمٌ بقصدهم ونيتهم. ومذهب مالك والشافعي: أن القاضي يُوقفه:
إما أن يرجع بالوطء إن قدر، أو بالوعد إن عَجز، أو يُطلِّق عليه طلقة رجعية، عند مالك. ومذهب أبي حنيفة: أنها تَبِين بمجرد مُضي أربعة أشهر. وأحكام الإيلاء مقررة في كتب الفقه.
الإشارة: لا ينبغي للعبد أن يصرف عمره كله في معاداة نفسه ومجانبتها، إذ المقصود هو الاشتغال بمحبة الحبيب، لا الاشتغال بعداوة العدو، فلمجاهدة نفسه ومجانبتها حد معلوم ووقت مخصوص، وهو ما دامت جموحة