الإشارة: إنكار العوام على الخصوص لا يضرهم، ولا يغض من مرتبتهم، بل يزيدهم رفعةً وعلواً وعزّاً وقرباً، قال تعالى: لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وسمعت شيخنا البوزيدى رضي الله عنه يقول:
«كلامُ الناس في الولي كناموسة نفخت على جبل» . أي: لا يلحقهم من ذلك إلا ما يلحق الجبل من نفخ الناموسة، يريد الله ألا يجعل لهم من نصيب القرب شيئاً، ولهم عذاب البعد والنصب، في غم الحجاب وسوء الحساب، لا سيما من تمكن من معرفتهم، ثم استبدل صحبتهم بصحبة العوام، فلا تسأل عن حرمانه التام، والعياذ بالله.
ثم لا يدل إمهال الكافرين وتمتعهم بطول الحياة على إرادة الخير لهم، بل إنما ذلك استدراج وزيادة فى الإثم، كما أشار إلى ذلك بقوله:
قلت: من قرأ بالتحتية، فالذين كفروا: فاعل، و (إن) وما بعدها: سد مسد المفعولين، ومن قرأ بالفوقية فالذين: مفعول أول، و (إنما) : سد مسد الثاني، و (ما) : مصدرية، والإملال: الإمهال والتأخير. ومنه: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا أي: حينا طويلا.
يقول الحق جلّ جلاله: ولا يظنن الذين كفروا أن إمهالي لهم وإمدادهم بطول الحياة، هو خير لهم، إنما نمهلهم استدراجاً لِيَزْدادُوا إثماً وعقوبة، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ يُهينهم، ويُخزيهم يوم يُعز المؤمنين.
الإشارة: إمهال العبد وإطالة عمره، إن كانت أيامه مصروفةً فى الطاعة واليقظة، وزيادة المعرفة، فإطالتها خير، والبركة في العمر إنما هي بالتوفيق وزيادة المعرفة، وفي الحكم:«مَن بورك له في عمره أدرك في يسيرٍ من الزمان مالا تدركه العبارة ولا تلحقه الإشارة» . وإن كانت أيام العمر مصروفة في الغفلة والبطالة وزيادة المعصية، فالموت خير منها. وقد سُئل- عليه الصلاة والسلام- أيُّ الناس خَيْرٌ؟ قال:«مَنْ طَالَ عُمرُه وَحَسُنَ عَمَلُهُ، قيل فَأَيُّ النّاسِ شر؟ قال: مَنْ طَالَ عَمُرُهُ وَسَاءَ عَمله» . والله تعالى أعلم.