للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضمير. إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ قضى بينهم، بأن أدخل أهل الجنةِ الجنة، وأهلُ النار النار، لا مرد له، ولا مُعقب لحُكمه، فلا يُغني أحد عن أحد شيئاً.

قال ابن عرفة: في الآية لف ونشر، فقوله تعالى: إِنَّا كُلٌّ فِيها راجع لقوله: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أي: إنا قد حصلنا جميعاً في النار، فَجُوزي كلّ على قدر علمه، أنتم على ضلالكم، ونحن على إضلالنا إياكم. وقوله: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ راجع لقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا وبهذا المعنى يتقرر الجواب. هـ.

وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ للقُوّام بتعذيب أهلها، وإنما لم يقل: لخزنتها لأن في ذكر جهنم تهويلاً وتفظيعاً، ويحتمل أنّ جهنم هي أبعدُ النار قعراً، من قوله: بئر جَهنام، أي: بعيدة القعر، وفيها أعتى الكفرة وأطغاهم، أو: لكون الملائكة الموكّلين بعذاب أهلها أقدر على الشفاعة لمزيد قربهم من الله، فلهذا تعمّدوهم بطلب الدعوة، فقالوا لهم: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً أي: مقدارَ يوم من الدنيا مِنَ الْعَذابِ واقتصارهم في الاستدعاء على ما ذكر في تخفيف قدر يسير من العذاب في مقدار قصير من الزمان، دون رفعه رأساً، أو:

تخفيف منه في زمان مديد لأن ذلك عندهم ليس في حيز الإمكان، أو لا يكاد يدخل تحت أمانيهم.

قالُوا أي: الخزنة، توبيخاً لهم، بعد مدة طويلة: أَوَلَمْ تَكُ أي: القصة تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات، يتلون عليكم آيات ربكم ويُنذرونكم لقاء يومكم هذا؟ أرادوا بذلك إلزامهم الحجة، وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء، وتعطيل أسباب الإجابة، قالُوا أي: إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم، فإنَّ الدعاء لمَن يفعل ذلك مما يستحيل صدوره منا. زاد البيضاوي: إذ لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم، وبحث معه أبو السعود بأنه يُوهم أن المانع هو عدم الإذن، وأنَّ الإذن في حيز الإمكان، ولا تجوز الشفاعة في كافر. انظره.

قال تعالى: وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ في ضياع وبطلان، لا يُجابون فيه لأنهم دعوا في غير وقته، ويحتمل أن يكون من كلام الخزنة. والله تعالى أعلم.

الإشارة: الآية تجر ذيلها على كلّ مَن له جاه، فدعا إلى سوء، بمقاله أو حاله، فتبعه العامة على ذلك، فيتحاجُّون يوم القيامة، فيقول المستضعفون: إنا كنا لكم تبعا. ف كل مَن أمر بسوء، وفُعِل، عُوقب الآمر والمأمور، وكل مَن فعل فعلاً خارجاً عن السُنَّة، كالرغبة في الدنيا، والتكاثر منها، فتبعه العامة على ذلك، عُوتب الجميع، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>