الخفة أو في الثواب، أَوْ نُنْسِها من قلب النبي- عليه الصلاة والسلام- بإذن الله، أو نتركها غير منسوخة، أو نؤخر إنزالها أو نسخها. باعتبار القراءات، نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ يا محمد أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يعجزه نسخ ولا غيره أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يتصرف فيهما كيف يشاء، لا راد لما قضى ولا مُعقِّب لما حكم به وأمضى، ينسخ من شرائع أحكامه ما شاء، ويثبت فيها ما شاء، بحسب مصالح العباد، وما تقتضيه الرأفة والوداد.
وهو جائز عقلاً وشرعاً، فكما نسخت شريعتهم ما قبلها نسخها ما بعدها، فمن تحكم على الله، أو رد على أصفياء الله ممن اصطفاهم لرسالته، فليس له مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يمنع من عذاب الله، وَلا نَصِيرٍ ينصره من غضب الله.
والنسخ إنما يكون في الأوامر والنواهي دون الأخبار، لأنه يكون كذباً، ومعنى النسخ: انتهاء العمل بذلك الحكم، ونقل العباد من حكم إلى حكم لمصلحة، فلا يلزم عليه البَدَاءُ كما قالت اليهود، والنسخ عندنا على ثلاثة أقسام: نسخ اللفظ والمعنى: كما كان يُقْرَأُ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر» ، ثم نُسخ، ونسخ اللفظ دون المعنى:«كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ، ثم نسخ لفظه، وبقي حكمه وهو الرجم، ونسخ المعنى دون اللفظ: كآية السيف بعد الأمر بالمهادنة مع الكفار. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قال الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه في تفسيرها: ما نذهب من بدل إلا ونأت بخير منه أو مثله. هـ.
ومعناه: ما نذهب بولي إلا ونأت بخير منه أو مثله إلى يوم القيامة، وبهذا يُرَدّ على مَن زعم أن شيخ التربية انقطع فإن قدرة الله عامة، وملك الله قائم، والأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة حتى يأتي أمر الله.
قال في لطائف المنن: وقد سئل بعضُ العارفين عن أولياء المدد: أينقصون في زمن؟ فقال: لو نقص منهم واحد ما أرسلت السماء قطرها، ولا أبرزت الأرض نباتها، وفساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم، ولا بنقص إمدادهم، ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله وقوع اختفائهم مع وجود بقائهم، ثم قال: وقد قال علي- كرم الله وجهه- في مخاطبته لكميل:
اللهم لا تخلو الأرض من قائم لك بحجتك، أولئك الأقلون عدداً، الأعظمون عند الله قدراً، قلوبهم معلقة بالمحل الأعلى.
أولئك خلفاء الله في بلاده وعباده، وا شوقاه إلى رؤيتهم.
وروى الترمذي الحكيم عن ابن عمر رضي الله عنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:«أمتي كالمَطَرِ لا يُدْرَى أَولهُ خيرٌ أم آخره» . وبالله التوفيق.