للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذه الصفات. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً لما اقترفوا من السيئات، وَأَجْراً عَظِيماً على طاعتهم. قال البيضاوي: والآية وعد لهن، ولأمثالهن، على الطاعة والتدرّعُ بهذه الخصال. رُوي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: ذكر الرجال في القرآن بخير فما فينا خير، فنزلت «١» . هـ.

الإشارة: اعلم أن اصطلاح الصوفية أن ما يتعلق بعمل الجوارح الظاهرة يُسمى إسلاماً، وما يتعلق بعمل القلوب الباطنية يُسمى إيماناً، وما يتعلق بعمل الأرواح والأسرار يُسمى إحساناً. قال في البغية: فالإسلام يشتمل على وظائف الظاهر، وهي الغالبة عليه، وذلك من عالم الشهادة، والإيمان يشتمل على وظائف الباطن، وهي الغالبة عليه، وذلك من عالم الغيب، وهي الأعمال الغيبية، ولمّا انفتح لها باب من الأعمال الظاهرة للعبادة، وأشرقت عليها من ذلك أنوار، وتعلقت همتها بعالم الغيب، مالت إلى الوفاء بالأعمال الباطنة، ثم لمّا تمكنت في الأعمال الباطنة، واطلعت على عالَمها، وأشرفت على طهارتها، وتعلقت همتها بعالم الملكوت، مالت إلى الوفاء بالأسرار الإحسانية، ومن هناك تدرك غاية طهارتها وتصفيتها، والاطلاع على معارف الحقائق الإلهية. ثم قال: فإذا تبين هذا، فالإسلام له معنى يخصه، وهو انقياد الظاهر بما تكلف به من وظائف الدين، مع ما لا بد منه من التصديق.

والإيمان له معنى يخصه، وهو تصديق القلب بجميع ما تضمنه الدين من الأخبار الغيبية، مع ما لا بد منه من شُعبه. والإحسان له معنى يخصه، وهو تحسين جميع وظائف الدين الإسلامية والإيمانية، بالإتيان بها على أكمل شروطها، وأتم وظائفها، خالصة من جميع شوائب عِللها، سالمة من طوارق آفاتها. هـ.

قلت: ولا يكفي في مقام الإحسان تحسين الوظائف فقط، بل لا بد فيه من كشف حجاب الكائنات، حتى يُفضي إلى شهود المكوِّن، فيعبد الله على العيان. كما في الحديث: «إنَّ تعبد الله كأنك تراه» . فإذا تقرّر هذا فالآية مشتملة على تدريج السلوك فأول مقامات المريد: الإسلام، ثم الإيمان، كما في الآية، ثم يكون من القانتين المداومين على الطاعة، ثم يكون من الصادقين في أقواله، وأفعاله، وأحواله، صادقاً في طلب مولاه، غائباً عن كل ما سواه، ثم من الصابرين على مجاهدة النفس، ومقاساة الأحوال، وقطع المقامات والمفاوز. وقال القشيري: من الصابرين على الخصال الحميدة وعن الخصال الذميمة، وعند جريان مفاجآت القضية. هـ. ثم من الخاشعين الخاضعين لهيبة الجلال، مشاهداً لكمال أنوار الجمال. قال القشيري: الخشوعُ: إطراق السريرة عند بواده الحقيقة. هـ.


(١) أخرجه، بنحوه، أحمد فى المسند (٦/ ٣٠١) والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي (٢/ ٤١٦) ، والطبراني فى الكبير (٢٣/ ٢٦٣ ح ٥٥٤) و (٢٣/ ٢٩٤ ح ٦٥٠) من حديث أم سلمة- رضى الله عنها- وأخرجه ابن جرير فى التفسير (٢٢/ ١٠) من حديث ابن عباس رضي الله عنه وأم سلمة- رضى الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>