للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: (كان) : تامة بمعنى حضر، وقرأ أُبَيّ وابنُ مسعود: (ذا عسرة) فتكون ناقصة، و (نظرة) : مبتدأ، والخبر محذوف، أي: فعليكم نظرة، أو فالواجب نظرة. وهو مصدر بمعنى الإنظار، وهو الإمهال، و (ميسرة) : فيه لغتان:

الفتح والضم، وهي مَفْعَلة من اليسر، فالضم لغة أهل الحجاز، والفتح لغة تميم وقَيْس ونَجْد.

يقول الحق جلّ جلاله: وإن حضر الغريم وهو معسر، فعليكم إنظاره، أي: إمهاله إلى زمان يسره ولا يحل لكم أن تُضَيِّقُوا عليه، وتطالبوه بما ليس عنده إن أقام البيِّنَةَ على عسره وَأَنْ تَصَدَّقُوا عليه برؤوس أموالكم ولا تطالبوه بها خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ما في ذلك من الخير الجزيل والذكر الجميل.

روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَنْظَر مُعْسِراً، أو وَضَعَ عنه، أَظلَّه اللهُ في ظِلِّ عَرْشِه يوم لا ظِلَّ إِلا ظلّه» وقال- عليه الصلاة والسلام-: «من أَحَبَّ أن تُستجاب دعوته، وتُكشف كُربتُه، فليُيسِّرْ على المعسر» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «من أنْظَر معسراً كان له بكل يوم صدقةٌ بمثل ما أنظره به» . وقد ورد في فضل الدّين قوله- عليه الصلاة والسلام: «إن الله مع المدين حتى يقضي دَيْنه، ما لم يكن فيما يكره الله» . فكان عبد الله «١» يقول: «إني أكره أن أبيت ليلة إلا والله تعالى معي، فيأمر غلامه أن يأخذ بدين» .

وقد ورد الترغيب أيضاً في الإسراع بقضاء الدين دون مطل، قال صلّى الله عليه وسلم «مَنْ مشَى إلى غَريمه بحقه، صلّت عليه دوابُّ الأرض ونُونُ الماء، وكتبت له بكل خُطوة شجرة في الجنة، وذنب يغفر له فإن لم يفعل ومطل فهو مُعْتَدِ» . وقال أيضا: «مطل الغَنِيِّ ظلم، وإذا أُتْبعَ أحدكم على مليىء فَلْيتْبَعْ» .

ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، وهو يوم القيامة، فتأهبوا للمصير إليه بالصدقة وسائر الأعمال الصالحة، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ جزاء ما أسلفت، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب أو تضعيف عقاب. قال ابن عباس: (هذه آخر آية نزل بها جبريل، فقال: ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وعشرين يوماً) . وقيل: أحداً وثمانين، وقيل غير ذلك. والله تعالى أعلم.

الإشارة: وإن كان ذو عسرة من نور اليقين والمعرفة، فلينظر إلى أهل الغنى بالله، وليصحبهم ويتعلَّق بهم، وهم العارفون، فإنهم يغنونه بالنظر. وفي بعض الأخبار: أن الله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً. هـ. ولله رجال إذا نظروا أغنَوْا، وفي هذا المعنى يقول صاحب العينية:

فَشَمِّرْ، ولُذْ بالأَوْليَاءِ فَإنَّهُمْ ... لَهُمْ مِنْ كِتَابِ الله تلْكَ الوقَائعُ

هُمُ الذُّخْرُ لِلمَلهُوفِ، والكَنْزُ لِلرَّجَا ... وَمِنْهُمْ يَنَالُ الصَبُّ مَا هُوَ طامع


(١) هو راوى الحديث سيدنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>