للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم برهن على وجوده، وثبوت وحدانيته بثمانية أمور، فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ طباقاً متفاصلة مرفوعة بغير عمد، وما اشتملت عليه من الكواكب والبروج والمنازل، وفي الْأَرْضِ وما اشتملت عليه من الجبال والبحار والأنهار والأشجار وأنواع الثمار، وفي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بالطول والقصر، أو تعاقبهما بالذهاب والمجيء، (و) في الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بقدرته مع إمكان رسوبها إلى الأسفل، متلبسة بِما يَنْفَعُ النَّاسَ من التجارة وغيرها. وقال البيضاوي: القصد الاستدلال بالبحر وأحواله، وتخصيص الفلك بالذكر لأنه سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه ولذلك قَدَّمه على ذكر المطر والسحاب، لأن منشأهما منه في الغالب. هـ.

(و) في ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ من غير ظهور مادة سابقة، بل تُبرزه القدرة من عالم الغيب قريب عهد بالله، ولذلك (كان عليه الصلاة والسلام يَتَمَطَّر) أي: يَنْصُبُ وجهه للمطر إذا نزل تبركاً به، فَأَحْيا الحقّ تعالى بذلك المطر الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ويُبْسِها، بالنبات والأزهار وأصناف النّوار والثمار، وفيما نشر فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ من النملة إلى الفيلة، (و) في تَصْرِيفِ الرِّياحِ وهبوبها من جهات مختلفة، وهي الجهات الأربع وما بينها بصفات مختلفة، مُلَقِّحَةٍ للشجر وعقيم وصرِ «١» ، وللنصر والهلاك، (و) في السَّحابِ الْمُسَخَّرِ أي: المذلَّل بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا يسقط ولا يرتفع، مع أن الطبع يقتضي أحدهما، أو مسخر للرياح تُقَلِّبه في جو السماء بمشيئة الله لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. أي: تلك المخلوقات آيات دالة على وحدانيته تعالى وباهر قدرته، ولَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.

وفي الآية حَضٍّ على التفكر، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «ويلٌ لِمَنْ قَرأَ هَذهِ الآيةِ فَمَجَّ بِها» «٢» ،. أي:

لم يتفكر فيها، وفيها دلالة على شرف علم التوحيد العام والخاص. والله تعالى أعلم.

الإشارة: قال الجنيد: (التوحيد معنى تضْمَحِل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم، ويكونُ الله كما لم يزل) . قلت:

وهذا هو التوحيد الخاص، أعني توحيد أهل الشهود والعيان. ثم قال: (وأصولُه خمسة أشياء: رفعُ الحدَث، وإثبات


(١) ريح صر وصرصر: شديدة البرد.
(٢) لم يرد هذا الحديث فى شأن هذه الآية، وإنما ورد فى شأن قوله تعالى: (إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب) الآية ١٩٠ من سورة آل عمران. وأخرجه ابن حبان فى صحيحه (الإحسان: كتاب الرقاق: باب التوبة ٢/ ١٠) مطولا عن السيدة عائشة رضى الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>