الإشارة: السلامة من العطب هو في مقام الهيبة والأدب، ولذلك قيل: قف بالبساط، وإياك والانبساط. وأما مقام الإدلال فلا يصح إلا من أكابر الأنبياء، والأولياء المحققين بمقام المحبوبية، المتحَفين بغاية الخصوصية، ومنه قول سيدنا موسى عليه السلام: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا، كما قال في الإحياء. والإدلال: هو انبساط يثور من مقام الأنس والتحقق بالمحبة الخاصة، ولا يتفق إلا من محبوب مأخوذ عنه، ليس عليه بغية من نفسه، ولا شعور بوجوده وأنانيته، وإلا ردّ في وجهه وكان سبب عطبه. ومن الإدلال: ما وقع لأبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه في حزبه الكبير، من قوله: وليس من الكرم إلا تحسن إلا لمن أحسن إليك ... الخ. وقد وقع لغيره من المحبوبين.
والله تعالى أعلم.
ثم أجاب الحق- سبحانه وتعالى- سؤال موسى عليه السلام في قوله:(واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة) فقال:
قالَ عَذابِي أُصِيبُ ...
يقول الحق جلّ جلاله: في جواب سيدنا موسى عليه السلام: قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ ممن أخذّته الرجفة وغيرهم، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ في الدنيا للمؤمنين والكافرين، وفي الآخرة مخصوصة بالمؤمنين، فَسَأَكْتُبُها كتابة خاصة لا تليق بكم يا بني إسرائيل، إنما تليق بالأمة المحمدية الموسومة بالآداب المرضية، الذين يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي، وإن وقعت هفوة بادروا إلى التوبة، وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ، خصصها بالذكر لأنها كانت أشق عليهم. وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ فلا يكفرون بشيء منها، بل يؤمنون بجميع الكتب والأنبياء، وليس ذلك لغيرهم. ولذلك خصهم الله بهذه الرحمة فَنَصرَهم على جميع الأمم، وأعلى دينهم على جميع الأديان، ومكّن لهم مالم يمكن لغيرهم.