للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: وَحَرامٌ أي: ممتنع عَلى أهل قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها قدرنا هلاكها، أو حكمنا بإهلاكها لعتوهم، أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ بالبعث والحشر، بل لا بد من بعثهم وحشرهم وجزائهم على أعمالهم. وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع للكل لقوله: كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ لأنهم المنكِرون للبعث والرجوع دون غيرهم. وقيل: المعنى: وممتنع على قرية، أردنا إهلاكها، رجوعهم إلى التوبة، أو ممتنع على قرية، أهلكناها بالفعل، رجوعهم إلى الدنيا. وفيه رد على مذهب القائلين بالرجعة من الروافض وأهل التناسخ، على أن «لا» صلة. وقرىء بالكسر «١» ، على أنه تعليل لما قبله، فحرام، على هذا، خبر عن مبتدأ محذوف، أي: ذلك العمل الصالح حرام على قرية أردنا إهلاكها لأنهم لا يَرْجِعُونَ عن غيّهم.

وقال الزجاج: المعنى: وحرام على قرية، أردنا إهلاكها، أن يُتَقَبَّلَ منهم عمل لأنهم لا يرجعون، أي: لا يتوبون، ويجوز حمل المفتوحة على هذا بحذف اللام، ويستمرون على ما هم عليه من الهلاك، أو: فليستمر امتناعهم من الرجوع.

حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ونُفخ في الصور، وقامت القيامة، فيرجعون، ولا ينفعهم الرجوع.

ويأجوج ومأجوج قبيلتان، يقال: الناس عشرة أجزاء، تسعة منها يأجوج ومأجوج. والمراد بفتحها: فتح سدها، على حذف مضاف أي: حتى إذا فُتح سد يأجوج ومأجوج، وَهُمْ أي: يأجوج ومأجوج، وقيل: الناس بعد البعث، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ أي: نشز ومرتفع من الأرض، يَنْسِلُونَ: يسرعون، وأصل النسل: مقاربة الخطو مع الإسراع. ويدل على عَود الضمير ليأجوج ومأجوج: قوله- عليه الصلاة والسّلام-: «ويفتح ردم يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس، كما قال الله تعالى: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ... » الحديث «٢» ، ويؤيد إعادتَه على الناس قراءة مجاهد: «من كل جدث» بالجيم، وهو القبر.

ثم قال تعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ أي: ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب، فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أي: فإذا القصة أو الشأن، وهو أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا شاخصة، أي: مرتفعة الأجفان، لا تكاد تطرق من شدة الهول، حال كونهم يقولون: يا وَيْلَنا يا هلكتنا، هذا أوانك، فاحضري، قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ تامة مِنْ هذا الذي دهَمنا من البعث، والرجوع إليه تعالى، للجزاء، ولم نعلم، حيث نُبِّهْنَا عليه بالآيات والنُذر، أنه حق، بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ بتلك الآيات والنذر، مُكذبين بها، أو ظالمين أنفسنا بتعريضها للعذاب


(١) فى قوله: «إنهم» .
(٢) أخرجه، مطولا، مسلم، فى (الفتن، وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال) ، من حديث النواس بن سمعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>