للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَدَأَ المؤذن أو يوسف لأنهم رُدُّوا إلى مصر، أي: بدأ في التفتيش، بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين، تقية للتهمة، ثُمَّ اسْتَخْرَجَها أي: السقاية، أو الصواع لأنه يُذكر ويُؤنث، مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ أي: مثل ذلك الكيد كِدْنا لِيُوسُفَ أي: علمناه الحيلة بالوحي في أخذ أخيه، ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ملك مصر لأن دينه كان الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك. أو: لكن أخذه بمشيئة الله وإرادته. نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بالعلم والعمل، كما رفعنا درجته، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أرفع درجة منه.

قال البيضاوي: واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته إذ لو كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه- أي:

لدخوله تعالى في عموم الآية- والجواب: أن المراد كل ذي علم من الخلق لأن الكلام فيهم، ولأن العليم هو الله تعالى. ومعناه: الذي له العلم البالغ، ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا: فوق كل العلماء عليم، وهو مخصوص. هـ.

قلت: وقد ورد ثبوت العلم له تعالى في آيات وأحاديث. كقوله تعالى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ «١» ، وأُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ «٢» «وإني على عِلمٍ من عِلمِ اللهِ علَّمَنيهِ» «٣» إلى غير ذلك مما هو صريح في الرد عليهم.

الإشارة: يُؤخذ من قوله تعالى: وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ: امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى.

ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية- وهو الشيخ-، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا: أركان التصوف ثلاثة: الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً ... الخ: فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.

وقوله تعالى: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ... الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال


(١) من الآية ١٦٦ من سورة النساء.
(٢) من الآية ١٤ من سورة هود.
(٣) جزء من حديث موسى الخضر وأخرجه البخاري فى (أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر) ، من حديث ابن عباس رضى الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>