للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن كعب القرظي: بأسماء أمهاتهم، فيكون جمع «أم» ، كخف وخفاف، لكن في الحديث: «إِنكُم تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ بأسمَائِكُمْ وأسمَاءِ آبَائِكًمْ» «١» ، ولعل ما قاله القرظي مخصوص بأولاد الزنا. وفي البيضاوي:

قيل: بأمهاتهم، والحكمة في ذلك: إجلال عيسى وإظهار شرف الحسن والحسين، وألا يُفتضح أولاد الزنى. هـ.

وقال أبو الحسن الصغير: قيل لأبي عمران: هل يدعى الناس بأمهاتهم يوم القيامة أو بآبائهم؟ قال: قد جاء في ذلك شيء أنهم يدعون بأمهاتهم فلا يفتضحوا. وفي البخاري- باب يدعى الناس بآبائهم، وساق حديث ابن عمر:

«يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ. يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ ابنُ فُلاَن» «٢» ، فظاهر الحديث أنهم يدعون بآبائهم، وهو الراجح، إلا فيمن لا أب له. والله تعالى أعلم.

ثم قال تعالى: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أي: فمن أوتي صحيفة أعماله، يومئذ، من أولئك المدعوين بيمينه إظهارًا لخطر الكتاب، وتشريفًا لصاحبه، وتبشيرًا له من أول الأمر، فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ المؤتى لهم. والإشارة إلى «مَن» : باعتبار معناها لأنها واقعة على الجمع إيذانًا بأنهم حزب مجتمعون على شأنٍ جليل، وإشعارًا بأن قراءتهم لكتبهم يكون على وجه الاجتماع، لا على وجه الانفراد كما في حال الدنيا. وأتى بإشارة البعيد إشعارًا برفع درجاتهم، أي: أولئك المختصون بتلك الكرامة، التي يُشْعِرُ بها الإيتاء المذكور، يقرأون كتابهم وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ولا ينقصون من أجور أعمالهم المرسومة في صحيفتهم أدنى شيء، فإن الفتيل- وهو:

قشر النواة- مَثلٌ في القلة والحقارة.

ثم ذكر أهل الأخذ بالشمال فقال: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ الدنيا، التي فَعَل بهم ما فعل من فنون التكريم والتفضيل، أَعْمى فاقد البصيرة، لا يهتدي إلى رشده، ولا يعرف ما أوليناه من نعمة التكرمة والتفضيل، فضلاً عن شكرها والقيام بحقوقها، ولا يستعمل ما أودعنا فيه من العقل والقوى، فيما خلق له من العلوم والمعارف، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى كذلك، لا يهتدي إلى ما ينجيه مما يرديه لأن النجاة من العذاب والتنعم بأنواع النعم الأخروية مرتب على العمل في الدنيا، ومعرفة الحق، ومن عمي عنه في الدنيا فهو في الآخرة أشد عمى عما ينجيه، وَأَضَلُّ سَبِيلًا عنه لزوال الاستعداد الممكن لسلوك طريق النجاة. وهذا بعينه هو الذي أخذ كتابه


(١) أخرجه أحمد فى المسند (٥/ ١٩٤) ، وأبو داود فى (الأدب، باب فى تغيير الأسماء) عن أبى الدرداء، وصححه الهيثمي فى المجمع (٣/ ٦٩) .
(٢) أخرجه البخاري فى (كتاب الأدب، باب يدعى الناس بآبائهم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>