قال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ أي: جنس البحر مِداداً، وهو ما تمد به الدواة من الحِبْر، لِكَلِماتِ رَبِّي وهي ما يقوله سبحانه لأهل الجنة، من اللطف والإكرام، مما لا تكيفُه الأوهام، ولا تحيط به الأفكار، فلو كانت البحار مدادًا والأشجار أقلامًا لنفدت، ولم يبق منها شيء، قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي لأن البحار متناهية، وكلمات الله غير متناهية. ثم أكّده بقوله: وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً أي: لنفد البحر من غير نفاد كلماته تعالى، هذا لو لم يجئ بمثله مددًا، بل ولو جئنا بمثله مَدَداً عونًا وزيادة لأن ما دخل عالم التكوين كله متناهٍ.
قُلْ لهم: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يتناهى كلامي، وينقضي أجلي، وإنما خُصصت عنكم بالوحي والرسالة يُوحى إِلَيَّ من تلك الكلمات: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له في الخلق، ولا في سائر أحكام الألوهية، فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ: يتوقعه وينتظره، أو يخافه، فالرجاء: توقع وصول الخير في المستقبل، فمن جعل الرجاء على بابه، فالمعنى: يرجو حسن لقاء ربه وأن يلقاه لقاء رضى وقبول. ومن حمله على معنى الخوف، فالمعنى: يخاف سوء لقائه. قال القشيري: حَمْلُه على ظاهره أَوْلى لأن المؤمنين قاطبةً يرجون لقاءَ الله، فالعارفون بالله يرجون لقاءه والنظر إليه، والمؤمنون يرجون لقاءه وكرامته بالنعيم المقيم. هـ بالمعنى.
والتعبير بالمضارع فى (يَرْجُوا) للدلالة على أن اللائق بحال المؤمنين: الاستمرار والاستدامة على رجاء اللقاء، أي: فمن استمر على رجاء لقاء كرامة الله ورضوانه فَلْيَعْمَلْ لتحصيل تلك الطلبة العزيزة عَمَلًا صالِحاً، وهو الذي توفرت شروط صحته وقبوله، ومدارها على الإتقان ظاهرًا، والإخلاص باطنًا. وقال سهل:
العمل الصالح: المقيد بالسُنَّة، وقيل: هو اعتقاد جواز الرؤية وانتظار وقتها. وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً إشراكًا جليًا، كما فعل الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الحَيَاةِ الدنيا حيث كفروا بآيات ربهم ولقائه، أو إشراكًا خفيًا، كما يفعله أهل الرياء، ومن يطلب به عوضًا أو ثناءً حسنًا.
قال شهر بنُ حَوشب: جاء رجل إلى عبادة بن الصامت، فقال: أرأيت رجلاً يُصلي يبتغي وجه الله، ويحب أن يُحمد عليه، ويتصدق يبتغي وجه الله ويحب أن يُحمد عليه، ويحج كذلك؟ قال عبادة: ليس له شيء، أن الله تعالى يقول:«أنا خيرُ شريك، فمن كان له شريك فهو له» . ورُوي أن جُنْدبَ بْنَ زُهَيْرٍ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لأعْمَلُ العَمَلَ للهِ تَعَالى، فإذا اطُّلِعَ عَلَيْهِ سرّنى، فقال له عليه الصلاة والسلام:«لَكَ أَجْرَان: أجْرُ السِّرِّ، وأجر العلانية»«١»
(١) أخرجه الترمذي فى (الزهد، باب عمل السر) ، وابن ماجة فى (الزهد، باب الثناء الحسن) ، عن أبى هريرة بدون ذكر جندب ابن زهير.