والغرض المسوق له الكلام في الأول: النهي عن اتخاذ الاثنين من الإله لا إثبات جنسه، فَوَصَفَ الإلهين باثنين وإله بواحد إيضاحًا لهذا الغرض وتفسيرًا له. هـ. ويحتمل أن يكون «اثْنَيْنِ» مفعولاً أولاً، و «إِلهَيْنِ» مفعولاً ثانيًا.
وقوله:(فَإِيَّايَ) : مفعول بفعل محذوف، أي: ارهبوا، ولا يعمل فيه (ارهبون) لأنه أخذ مفعوله، وهو: ياء المتكلم، و (واصِباً) : حال من (الدِّينُ) . و (ما بِكُمْ) : إما شرطية، أو موصولة متضمنة معنى الشرط باعتبار الإخبار دون الحصول فإن استقرار النعمة بهم يكون سببًا للإخبار بأنها من الله، لا سببًا لحصولها منه لأن جواب الشرط يكون مسببًا عن فعله، واستقرار النعمة بهم ليس سببًا في حصولها من الله، وإنما هو سبب في الإخبار بأنها من الله. فتأمله. وأصله للبيضاوي، والجملة: يحتمل أن تكون استئنافية، أو حالية، فيتصل الكلام بما قبله، أي: كيف تتقون غير الله، والحال أن ما بكم من نعمة فمنه وحده؟ واللام في (لِيَكْفُرُوا) : لام الأمر على وجه التهديد، كقوله بعدُ:(فَتَمَتَّعُوا) ، فعلى هذا يبتدأ بها، وقيل: هي لام العاقبة، فعلى هذا توصل بما قبلها لأنها في الأصل لام كي، وهو بعيد.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ، بأن تعبدوا الله تعالى، وتعبدوا معه الأصنام، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له ولا ظهير، ولا معين ولا وزير، فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، عَدَلَ من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب، وتصريحًا بالمقصود، كأنه قال: فأنا ذلك الإله الواحد، فإياي فارهبون، لا غيري، وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقًا وملكًا وعبيدًا، وَلَهُ الدِّينُ أي: الطاعة والانقياد واصِباً: لازماً، أو: واجباً وثابتاً لما تقرر أنه الإله وحده، والحقيق بأن يرهَبَ منه، فلا يُدَان لأحد إلا هو. وقيل: وَلَهُ الدِّينُ أي: الجزاء واصِباً أي: دائمًا، فلا ينقطع ثوابه لمن آمن، ولا عقابه لمن كفر.
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ مع أنه ليس بيد غيره نفع ولا ضر؟! كما قال: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أيْ: وأيّ شيء اتصل بكم من نعمة فهو من الله وحده، ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ أي: فلا تتضرعون عند الشدة إلا إليه، ولا تستغيثون إلا به. والجؤار: رفع الصوت في الدعاء والاستغاثة، ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ وهم: كفاركم، ففي وقت الشدة ينسون أصنامهم، وفي الرخاء يرجعون إليها. فعلوا ذلك لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ من نعمة الكشف عنهم، كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة، أو يكون تهديدًا، أي: ليكفروا ما شاءوا فسوف يعلمون، كقوله: فَتَمَتَّعُوا بكفركم فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة أمركم.