جمع صومَعة- بفتح الميم، وهي: متعبد النصارى والصابئين منهم، ويسمى أيضًا الدير. وسُمي بها موضع الأذان فى الإسلام: وَبِيَعٌ: جمع بيعة- بكسر الباء-: كنائس النصارى، وَصَلَواتٌ: كنائس اليهود، سميت بما يقع فيها،. وأصلها: صلَوتا بالعبرانية، ثم عُربت، وَمَساجِدُ للمسلمين، يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً أي: ذكراً كثيرًا، أو وقتًا كثيرًا، صفة مادحة للمساجد، خُصت بها دلالةً على فضلها وفضل أهلها. وقيل يرجع للأربع، وفيه نظر فإنَّ ذكر الله تعالى في الصوامع والبيع والكنائس قد انقطع بظهور الإسلام، فَقَصْدُ بيانِه، بعد نسخ شرائعها مما لا يقتضيه المقام، ولا ترتضيه الأفهام. وقدمت الثلاثة على المساجد لتقدمها وجودًا، أو لقربها من التهديم.
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ أي: وتالله، لينصرن الله من ينصر دينه ونبيه- عليه الصلاة والسلام- وأولياءه. ومن نصرِه: إشهاره وإظهاره، وتعليمه لمن لا يعلَمه، وإعزاز حامل لوائه من العلماء والأولياء. وقد أنجز الله وعده، حيث سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرة الروم، وأورثهم أرضهم وديارهم، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ: غالب على كل ما يريد، ومن جملته: نصرهم وإعلاؤهم.
ثم وصف الذين أُخرجوا مِن دِيَارِهِم بقوله: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ قلت: الصواب ما قاله مكي: أنه بدل مِن: «مَن ينصره» ، في محل نصب.
قيل: المراد بهم: الصحابة- رضى الله عنهم-، وقيل: الأمة كلها. وقيل: الخلفاء الأربعة لأنهم هم الذين مُكِّنوا في الأرض بالخلافة، وفعلوا ما وصفهم الله به. وفيه دليل صحة أمرِ الخلفاء الراشدين لأن الله- عزّ وجلّ- أعطاهم التمكين، ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة. وعن عثمان رضى الله عنه:(هذا، والله، ثناء قبل بلاء) ، يعني: أن الله تعالى أثنى عليهم قبل ظهور الشر من الهرج والفتن فيهم. وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ فإنَّ مرجعها إلى حكمه وتقديره فقط.
وفيه تأكيد للوعد بإظهار أوليائه وإعلاء كلمته.
الإشارة: إذا اتصل الإنسان بشيخ التربية فقد أذن له في جهاد نفسه، إن أراد الوصول إلى حضرة ربه لأنها ظالمة تحول بينه وبين سعادته الأبدية. وإن الله على نصرهم لقدير لأن هِمَّةَ الشيخ تحمله وتنصره بإذن الله. وأما إن لم يتصل بشيخ التربية، فإن مجاهدته لنفسه لا تُصيب مَقاتلها لدخولها تحت الرماية، فلا يُصيبها ضربه، وأما الشيخ فلأنه يريه مساوئها ويعينه على قتلها.
وقوله تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ هم الذين أُمروا بقتل نفوسهم، فإنهم إذا خرقوا عوائد نفوسهم، وخرجوا عن عوائد الناس، رفضوهم وأنكروهم، وربما أخرجوهم من ديارهم، فقلَّ أن تجد وليًا بقي في وطنه الأول، وما نقموا منهم وأخرجوهم إلا لقصدهم مولاهم، وقولهم: ربُّنا الله دون شيء سواه، فحيث خرجوا عن