فيه، وقيل: يُوسَم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه، وأهل الباطل بأضداد ذلك. فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فيقال لهم يومئذ: أَكَفَرْتُمْ بمحمد- عليه الصلاة والسلام- بعد ظهوره، بَعْدَ إِيمانِكُمْ به قبل ظهوره، وهم اليهود أو أهل الردة، آمنوا فى حياته صلّى الله عليه وسلم وكفروا بعد موته.
أو جميع الكفار، آمنوا في عالم الذر وأقروا على أنفسهم، ثم كفروا في عالم الشهادة. ويقال لهم أيضا: فَذُوقُوا الْعَذابَ بسبب ما كنتم (تكفرون) .
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ أي: جَنته، هُمْ فِيها خالِدُونَ. وعبَّر بالرحمة عن الجنة تنبيهاً على أن المؤمن، وإنْ استغرق عمره في طاعة الله- تعالى-، لا يدخل الجنة إلا برحمة الله وفضله، وكان حق الترتيب أن يقدم حِلية المؤمنين لتقدُّم ذكرهم، لكن قصد أن يكون مطلعُ الكلام ومقطعُه حليةَ المؤمنين وثوابهم.
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ الواردة في وَعْده وَوَعِيدِه، نَتْلُوها عَلَيْكَ متلبسة بِالْحَقِّ لا شبهة فيها، فقد أعذر وأنذر، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ إذ لا يحق عليه شيء فيظلم بنقصه، ولا يُمنع من شيء فيظلم بفعله، كما بيَّنه بقوله: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مُلكاً وخلقاً وعبيداً، فيجازي كلا بما وَعَدَه وأوْعَدَه، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ كلها فيتصرف على وفْقِ مراده وسَابق مشيئته، لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.
الإشارة: قد نهى الله- تعالى- أهل الجمع عن التشبه بأهل الفرق، في اختلاف قلوبهم ووجوههم وآرائهم وأنظارهم، مِن بعد ما جاءتهم الدلائل الواضحات على طلب جمع القلب على الله، والتودد في الله، وصرف النظرة في شهود الله، وأولئك المفترقون لهم عذاب عظيم، وأيّ عذاب أعظم من الحجاب؟ يوم تبيض وجوه العارفين، فتكون كالشمس الضاحية، يسرحون في الجنان حيث شاءوا، وتسود وجوه الجاهلين لما يعتريها من الندم، وسوادها باعتبار وجوه العارفين في النقص عنها، وإن كانت مُبْيَضَّةً بنور الإيمان، لكن فاتهم نور الإحسان، فيقال: أكفرتم بالخصوصية في زمانكم، بعد إيمانكم بها فيمن سلف قبلكم؟ فذوقوا عذاب القطيعة عن شهود الحبيب في كل حين، وأما الذين ابيضت وجوههم وأشرقت بنور البقاء، ففي رحمة الله، أي: جنة المعارف فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، فقد اتضحت الطريق، وظهرت أعلام التحقيق، لكن الهداية بيد الله، كما أنَّ الأمور كلها بيده، يهدي مَن يشاء ويضل من يشاء، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. وبالله التوفيق.
ثم مدح الأمة المحمدية بامتثال ما أمرها به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: