يقول الحق جلّ جلاله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ وهو سبط شيث، وجَدّ أبي نوح، فإنه نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام، واشتقاقه من الدرس لكثرة دراسته لما أوحي إليه، وكثرة ذكره لله تعالى.
رُوِيَ أنه كان خياطًا فكان لا يدخل الإبرة ولا يخرجها إلا بذكر الله. ورُوي أنه جاء إليه الشيطان يفتنه بفستق، فقال له: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في هذه الفُسْتقة؟ فقال له عليه السلام:(الله قادر على أن يدخل الدنيا كلها في سم هذه الإبرة، ونخس عينه) ذكره السنوسي في شرح مقرأه. قال ابن وهب: إنه دعا قومه إلى لا إله إلا الله، فامتنعوا فهلكوا. وفي حديث أبي ذر: أنه رسول، وجمع بينه وبين حديث الشفاعة، وقولهم لنوح: إنك أول رسول، بأن تكون رسالته لقومه خاصة، كهود وصالح، وكذا آدم وشيث، فإنه أرسل لبنيه لتعليم الشرائع والإيمان، ولم يكونوا كفارًا، وخلفه في ذلك شيث، قال المحشي الفاسي: والأظهر عندي في نوح أنه أول رسول من أهل العزم، لا مطلقًا.
قال ابن عطية: والأشهر أن إدريس عليه السلام لم يرسل، وإنما هو نبي فقط، وذهب إلى ذلك ابن بطال، ليسلم من المعارضة، وهي مدفوعة بما ذكرنا. هـ. فالمشهور أن إدريس رسول إلى قومه. رُوي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة، وأنه أول من خط بالقلم، ونظر في علم النجوم والحساب، وخاط الثياب. قيل: وهو أول نبي بُعث إلى أهل الأرض.
قال تعالى في وصفه: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا: خبران لكان، والثاني مخصص للأول إذ ليس كل صديق نبي. وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا، هو شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى. وقيل: علو الرتبة بالذكر الجميل في الدنيا، كما قال تعالى في حق نبينا: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «١» ، وقيل: الجنة، وقيل: السماء الرابعة، وهو الصحيح.
رُوِيَ عن كعب وغيره في سبب رفعه أنه مشى ذات يوم في حاجته، فأصابه وهج الشمس وحرها، فقال: يا رب أنا مشيت يومًا، فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد!، اللهمَّ خَفِّفْ عنه من ثقلها، واحمل عنه حرها، فلما أصبح الملَك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف، فقال: يا رب كلفتني بحمل الشمس، فما الذي قضيت فيه؟ فقال: إن عبدي إدريس سألني أن أُخفف عنك حملها وحرّها فأجبته، قال: يا رب اجعل بيني وبينه خُلَّة، فأذن له، حتى أتى إدريس، فقال له إدريس: أخبرت أنك أكرم الملائكة عند مَلَك الموت، فاشفع لي ليؤخر