للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عطية: ركوب البحر وقت حسن الظن به للجهاد والحج متفق على جوازه، وكذا لضرورة المعاش بالصيد ويتصرف للتجر، وأما ركوبه لطلب الدنيا والاستكثار فمكروه عند الأكثر. قلت: ما لم يكن لبلد تجري فيه أحكام الكفار على المسلمين وإلا حرم. ثم قال: وأما ركوبه وقت ارتجاجه فممنوع، وفي الحديث: «من ركب البحر في ارتجاجه فقد برِئَتْ منه الذمة» وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «البحر لا أركبه أبداً» .

وعن عليّ- كرّم الله وجهه- أنه قال: لولا هذه الآية، لضربت عنق من يركب البحر. فقال ابن عباس: إني لأعلم كلمات من قالهُن عند ركوب البحر وأصابه عطب فعليّ ديته، قيل: وما هي؟ قال: اللهم يا من له السموات خاشعة، والأرضون السبع خاضعه، والجبال الراسية طائعة، أنت خير حفظاً وأنت أرحم الراحمين، وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ «١» صلى الله على محمد النبي المصطفى، وعلى أهل بيته، وأزواجه وذريته، وعلى جميع النبيين والمرسلين، والملائكة المقربين، وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «٢» . قال بعض الفضلاء:

جربته فصح. هـ.

ثم قال تعالى في وصف الكفار عند إحاطة البحر بهم: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من غير إشراك لتراجع الفطرة وزوال المعارض من شدة الخوف، قائلين: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ الشدة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إجابة لدعائهم إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي، بِغَيْرِ الْحَقِّ أي: سارعوا إلى ما كانوا عليه من البغي والفساد في الأرض بغير الحق، واحترز بقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ عن تخريب المسلمين ديار الكفرة، وإحراق زروعهم، وقلع أشجارهم، فإنها إفساد بحق. قاله البيضاوي. قلت: وفي كونه بغياً نظر، والأظهر أن قوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ تأكيد لا مفهوم له.

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ فإن وباله عائد عليكم، أو على أبناء جنسكم، وذلك مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا تتمتعون به ساعة، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ في القيامة، فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالجزاء عليه.

الإشارة: وإذا أذقنا الناس حلاوة المعرفة والعلم، بعد ضرر الجهل والغفلة، إذا لهم مكر في آياتنا وهم الأولياء والمشايخ، الذين فتح الله بسببهم عليهم- بالطعن عليهم والانتقال عنهم، كما يفعله بعض المريدين، أو جُلُّ طلبة


(١) الآية ٦٧ من سورة الزمر.
(٢) الآية ٤١ من سورة هود.

<<  <  ج: ص:  >  >>