للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البيضاوي: ولعله ذكر الإرادة مع الخير، والمس مع الضر، مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات، وأن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول، ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يريد بهم من الخير لا لاستحقاق لهم عليه، ولم يستثن لأن مراد الله لا يمكن رده. هـ.

يُصِيبُ بِهِ بذلك الخير مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فتعرّضوا لخيره بالتضرع والسؤال، ولا يمنعكم من ذلك ما اقترفتم من العصيان والزلل، فإنه غفور رحيم.

الإشارة: ينبغي لمن تمسك بطريق الخصوص، وانقطع بكليته إلى مولاه، أن يقول لمن خالفه في ذلك: إن كنتم في شك من ديني- من طريقي- فلا أعبدُ ما تعبدون من دون الله، من متابعة الهوى والحرص على الدنيا، ولكن أعبدُ الله الذي يتوفاكم، وأُمرت أن أكون من المؤمنين، وأن اقيم وجهي للدين حنيفاً مائلاً عن دينكم ودنياكم، كما قال القائل:

تَرَكتُ لِلنَّاسِ دنياهم ودِينَهُم ... شُغلاً بِذِكرك يَا دِينِي ودُنيَائِي

وقال آخر:

تَركتُ للنَّاسِ مَا تَهوَى نُفوسُهم ... مِن حُبِّ دُنيا وَمِن عزِّ وَمِن جَاهِ

كذَاكَ تَرْكُ المَقَامَاتِ هُنَا وَهُنَا ... والقَصدُ غَيبَتُنَا عَمَّا سِوَى اللَّهِ.

وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ، وهو ما سوى الله، فليس بيد أحد ضر ولا نفع، ولا جلب ولا دفع، قال في الحكم: «لا ترفعنَّ إلى غيره حاجة هو مُوردها عليك، فكيف يرفع إلى غيره ما كان هو له واضعا؟! من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعاً؟!» .

قال بعضهم: من اعتمد على غير الله فهو في غرور لأن الغرور ما لا يدوم، ولا يدوم شيء سواه، وهو الدائم القديم، لم يزل ولا يزال، وعطاؤه وفضله دائمان، فلا تعتمد إلا على من يدوم عليك منه الفضل والعطاء، في كل نفس وحين وأوان وزمان. هـ.

وقال وَهْبُ بن منبه: أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود أما وعزتي وجلالي وعظمتي لا ينتصر بي عبد من عبادي دون خلقي، أعلم ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن، إلا جعلت له منهن فرجاً ومخرجاً، أما وعزتي وجلالي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق، دوني، أعلم ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السموات من يده، وأسخطتُّ الأرض من تحته ولا أُبالي في أي وادٍ هلك. هـ.

وقال بعضهم: قرأت في بعض الكتب: إن الله عزّ وجل يقول: [وعزتي وجلالي، وجودي وكرمي، وارتفاعي فوق عرشي في عُلو مكاني، لأقطعن آمال كل مؤمّل لغيري بالإياس، ولأكسونه ثوب المذلة بين

<<  <  ج: ص:  >  >>