ثم قال له: وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أي: ولعله يعرض لك في بعض الأحيان ضيق في صدرك، فلا تتلوه عليهم مخافة أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ ينفقه للاستتباع كالملوك، أو يستغني به عن طلب المعاش، أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يشهد له، والقصد تسليته صلّى الله عليه وسلّم عن قولهم، حتى يُبلغ الرسالة ولا يبالي بهم. وإنما قال:
ضائِقٌ ليدل على اتساع صدره صلّى الله عليه وسلّم، وقلة ضيقه في الحال. إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك، ولا عليك، ردوا أو اقترحوا، فلا يضيق صدرك بذلك. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ فتوكل عليه، فإنه عالم بحالهم ومجازيهم على أقوالهم وأفعالهم.
أَمْ بل يَقُولُونَ افْتَراهُ أي: ما يوحى إليه، قُلْ لهم: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ في البيان وحسن النظم. تحداهم أولاً بعشر سور، فلما عجزوا سهل الأمر عليهم وتحداهم بسورة. وتوحيد المثل باعتبار كل واحد. مُفْتَرَياتٍ مختلقات من عند أنفسكم، إن صح أني اختلقته من عند نفسي فإنكم عرب فصحاء مثلي.
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ للمعاونه على المعارضة، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنه مفترى. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فإن عجزوا عن الإتيان، فَاعْلَمُوا أيها الرسول والمؤمنون أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ بإذنه، أو بما لا يعلمه إلا الله من الغيوب. والمعنى: دوموا على إيمانكم، وزيدوا يقيناً فيه.
قال البيضاوي: وجمع الضمير إما لتعظيم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو لأن المؤمنين كانوا يتحدونهم، فكان أمر الرسول- عليه الصلاة والسلام- متناولاً لهم من حيث إنه يجب اتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصّه الدليل. أو للتنبيه على أن التحدي مما يوجب رسوخ إيمانهم وقوة يقينهم. ولذلك رتب عليه قوله: فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله، لأنه العالم والقادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره. وَأَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ لظهور عجز آلهتهم. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟ ثابتون على الإسلام، راسخون مخلصون فيه، إذا تحقق عندكم إعجازه مطلقاً.
ويجوز أن يكون الكل خطاباً للمشركين، والضمير في يَسْتَجِيبُوا لمن استطعتم، أي: فإن لم يستجيبوا لكم، أي: من استعنتم به على المعارضة لعجزهم، وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعارضة، فَاعْلَمُوا أنه نظم لا يعلمه إلا الله وأنه منزل من عنده، وأن ما دعاكم إليه من التوحيد حق، فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة؟ وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب، والتنبيه على قيام الموجب، وزوال العذر. هـ. وقال في الوجيز: فإن لم يستجيبوا لكم من تدعون إلى المعاونة، ولا تهيأ لكم المعارضة، فقد قامت عليكم الحجة، فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أي: أنزل والله عالم بإنزاله، وعالم أنه من عنده، فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟ استفهام، معناه الأمر، كقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «١» . هـ.