للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوي أنه أغلق بابه دون أضيافه، وأخذ يجادلهم من وراء الباب، فتسوروا الجدار، فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب، قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ: لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا، فهون عليك ودَعْنا وإياهم. فخلاهم، فلما دخلوا ضرب. جبريل عليه السلام بجناحيه وجوههم، فطمس أعينهم، وأعماهم، فخرجوا يقولون: النجاء النجاء في بيت لوط سحرة، فقالت الملائكة للوط عليه السلام: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ سِر بهم بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: بطائفة منه، وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ: لا يتخلف، أو لا ينظر إلى ورائة لئلا يرى ما يهوله.

والنهي في المعنى يتوجه إلى لوط، وإن كان في اللفظ مسنداً إلى أحد.

إِلَّا امْرَأَتَكَ، اسمها: واهلة. أي: فلا تسر بها، أو: ولا ينظر أحد منكم إلى ورائه إلا امرأتك فإنها تنظر.

رُوي أنها خرجت معه، فلما سمعت صوت العذاب التفتت وقالت: يا قوماه، فأدركها حجر فقتلها، ولذلك قال:

إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ من العذاب، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ وقت الصُّبْحُ في نزول العذاب بهم، فاستبطأ لوط وقتَ الصبح، وقال: هلا عُذبوا الأن؟ فقالوا: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا عذابنا، أو أمرنا به، جَعَلْنا مدائنهم عالِيَها سافِلَها، رُوي أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت مدائنهم، ورفعها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب، وصياح الديكة، ثم قلبها بهم.

وَأَمْطَرْنا عَلَيْها على المدائن، أي: أهلها، أو على ما حولها. رُوي أنه من كان منهم خارجَ المدائن أصابته الحجارة من السماء، وأما من كان في المدائن، فهلك لمّا قلبت. فأرسلنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ: من طين طبخ بالنار، أو من طين متحجر كقوله: حِجارَةً مِنْ طِينٍ «١» ، وأصلها: سنكِين «٢» ، ثم عرب، وقيل: إنه من أسجله إذا أرسله، أي: من مثل الشيء المرسل، وقيل: أصله من سجين، أي: جهنم، ثم أبدلت نونه لاماً، مَنْضُودٍ: مضموم بعضه فوق بعض، معداً لعذابهم، أو متتابع يتبع بعضه بعضاً في الإرسال، كقطر الأمطار.

مُسَوَّمَةً أي: معلمة للعذاب، وقيل: معلمة ببياض وحمرة، أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض، أو باسم من يرمي به فكل حجارة كان فيها اسم من ترمى به، وقوله: عِنْدَ رَبِّكَ، أي: في خزائن علمه وقدرته، وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ، بل هي قريبة من كل ظالم.

قال ابن جزي: الضمير للحجارة، والمراد بالظالمين: كفار قريش، فهذا تهديد لهم، أي: ليس الرمي بالحجارة ببعيد منهم لأجل كفرهم، وقيل: الضمير للمدائن، أي: ليست مدائنهم ببعيد منهم أفلا يعتبرون بها. كقوله:


(١) من الآية ٣٣ من سورة الذاريات.
(٢) فى البيضاوي: «سنك كل» .

<<  <  ج: ص:  >  >>