قلت: رَواسِيَ: جمع راسية، من رسى الشيء: ثبت، وجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ مَنْ خَفَضَ عطف على أَعْنابٍ، ومن رفع عطف على جَنَّاتٌ. وصِنْوانٌ: نعت تابع، وغَيْرُ:
عطف عليه.
يقول الحق جلّ جلاله: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ بسطها طولاً وعرضاً لتثبت عليها الأقدام وتتقلب عليها الحيوان والأنام، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ: جبالاً ثوابت لتستقر وتثبت، فلا تميد كالسفينة، وَجعل فيها أَنْهاراً مطرده دائمة الجري، من غير نفاد ولا فتور. ضمها إلى الجبال لأنها أسبابٌ لتولدها في العادة.
وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي: وجعل فيها صنفين اثنين من كل الثمرات فكل ثمرة فيها صنفان أحمر وأسود، أو حلو وحامض، قال ابن جزي: فإن قيل: تقتضى الآية أنه تعالى خلق من كل ثمرة صنفين، وقد خلق من كثير من الثمرات أصنافاً كثيرة؟ فالجواب: أن ذلك زيادة في الاعتبار، وأعظم في الدلالة على القدرة بذكر الاثنين لأن دلالة غيرهما من باب أولى. هـ.
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ، أي: يجعل الليلَ غشاءً على النهار ولباساً له، فيصير الجو مظلما بعد ما كان مضيئاً.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ دلائل وجوده وباهر قدرته لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فيها فإن وجودها وتخصيصها في هذا الشكل العجيب، دليل على وجود صانع حكيم، دبر أمرها، وهيأ أسبابها.
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ قريب بعضها من بعض، مع اختلاف أوصافها، بعضها طيبة وبعضها سبخة، وبعضها رخوة وبعضها صلبة، وبعضها يصلح للزرع دون الشجر، وبعضها بالعكس، وبعضها معادن مختلفة. ولولا تخصيص قادر مخصص لتلك الأفعال، على وجهٍ دون وجه، لم يكن الحكم كذلك لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية، وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية، من حيث إنها متضامة متشاركة في السبب والأوضاع. قاله البيضاوي. وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ أي: وفي الأرض أيضاً بساتين فيها أنواع من الأعناب والزروع، والنخيل، من صفة تلك النخيل: صِنْوانٌ أي: نخلات كثيرة متفرعة من أصل واحد، وَغَيْرُ صِنْوانٍ أي: غير متفرعة، بل كل نخلة منفردة بأصل واحد، يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ. وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ أي: في الثمر المأكول قدراً وشكلاً، وطعماً، ورائحةً ولوناً،