قلت:(إلا من اتبعك) : يحتمل ان يكون منقطعاً، ويريد بالعباد: الخصوص من أهل الإيمان والإخلاص، أي:
إن عبادي المخلَصين لا تسلط لك عليهم، لكن من اتبعك من الغاوين فهو من حزبك. ويحتمل الاتصال، ويريد بالعباد جميع الناس، أي: إن عبادي كلهم لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، إلا من اتبعك من أهل الغواية، فإنك تتسلط عليه بالوسوسة والتزيين والتحريض فقط، فيتبعك لقوله يوم القيامة: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي «١» . وعلى الاتصال يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى، وإلا تناقض مع قوله:
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قال أبو المعالي: كون المستثنى أكثر من المستثنى منه ليس معروفاً في كلام العرب. انظر ابن عطية والبيضاوي.
ومِنْهُمُ: حال من جزء مقدم، أي: لكل باب جزء حاصلٌ منهم مقسوم، أو من المستكن في الظرف لا من مقسوم لأن الصفة لا تعمل فيما تقدم موصوفها. وإِخْواناً: حال من الضمير المضاف إليه لأنه جزء ما أضيف إليه، والعامل فيه: الاستقرار، أو معنى الإضافة، وكذا: عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ، ويجوز أن يكونا صفتين لإخوان، أو حالين من ضميره.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ عِبادِي المتحققين بالعبودية لي، المخلصين في أعمالهم، لَيْسَ لَكَ يا إبليس عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي: غلبة وتسلط بالغواية والإضلال، إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ الذين سبقت لهم الغواية، وتنكبتهم العناية. وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ: لموضع إبعاد الغاوين أو المتبعين لك أَجْمَعِينَ، لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ يدخلون فيها لكثرتهم، أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة، وفي كل طبقة باب يسلك منه إليها، فأعلاها: جهنم، وهي للمذنبين من الموحدين، ثم لظى لليهود، ثم الحُطمة للنصارى، ثم السعير للصابئين، ثم سقر للمجوس، ثم الجحيم للمشركين، وكبيرهم أبو جهل، ثم الهاوية، وهي الدرك الأسفل، للمنافقين،