قلت:(من) شرطية وجوابها محذوف، أي: فليمت غيظاً، أو (فإنه نزله) على معنى: مَن عادى منهم جبريل فقد خلع ربقة الإنصاف، أو كفر بما معه من الكتاب لأنه نزل بكتاب مصدقاً لما قبله من الكتب، وجبريل فيه ثماني لغات، أربع قرئ بهن. وهي: جَبْرَئِيل كسلسبيل. وجَبْرَئِل كجحْمرش، وجَبْريل- بفتح الجيم- بلا همز، وجِبْرِيل بكسرها، وأربع شواذ: جِبْرَالُ، وجَبْرَائِيل، وجَبْرِائل، وجَبْرين بالنون، ومعناه: عبد الله. وفي ميكائيل أربع لغات: ميكائيل ممدود، وميكائل مقصور، وميكئل مهموز مقصور، وميكال على وزن ميعاد.
يقول الحق جلّ جلاله في الرد على اليهود، كابن صُوريا وغيره، حيث قالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من الذي يأتيك بالوحي؟ فقال: جبريل، فقالوا: ذلك عدونا من الملائكة لأنه ينزل بالشدة والعذاب، ولو كان ميكائيل لاتبعناك لأنه ينزل بالخصب والسلم، فقال تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فليمت غيظاً، فإنه هو الذي نزَّل القرآن عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب، وهداية وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، فإن كان ينزل بالشدة والعذاب على الكافرين، فإنه ينزل بالهداية والبشارة على المؤمنين.
ومن كان عدواً لجبريل فإنه عدو لله، إذ هو رسوله للأنبياء، وصفيه من الملائكة، وعدو أيضاً لميكائيل فإنه وزيره، وللرسل أيضاً فإنه سفيرهم، ومَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فإن الله عدو له.
وعطف جبريل وميكائيل من عطف الخاص على العام لزيادة شرفهما. ووضع الظاهر موضع الضمير في قوله:
عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ ولم يقل: لهم، تسجيلاً عليهم بالكفر، وبيان أن الله إنما عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة والرسل كفر، عصمنا الله من موارد الردى. آمين.
الإشارة: إذا كانت معاداة الملائكة والرسل هي معاداة الله، فكذلك معاداةُ أوليائه هي معاداة الله أيضاً، ولذلك قال تعالى:«مَنْ عادى لي وليّاً فقد آذنني بالحَرْب» . فالبعض هو الكل، ويؤخذ بالمفهوم أن محبة الملائكة والرسل هي محبة الله. وكذلك محبة أولياء الله هي محبة الله، وكذلك أيضاً محبة عباد الله هي محبة الله، ومعاداتهم معاداة الله. «الخَلقُ عِيَالُ اللَّهِ، وأحبُّ الخَلْقِِِ إلى اللَّهِ أَنفَعُهُم لِعيَاله» . وكل مَن ادعى أنه يحب الله وفي قلبه عداوة لمسلم فهو كاذب، وكل مَن ادعى أنه يعرف الله وفي قلبه إنكار على مخلوق فهو في دعواه أيضاً كاذب، فالواجب على العبد أن يُحب جميع العباد، من كان طائعاً فظاهر. ومَن كان عاصياً أحب له التوبة والإنابة، ومَن كان كافراً أحب له الإسلام والهداية، ولا يكره من العبد إلا فعله، ولله دَر القائل: