للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصديق من لم يؤمن من أهل الكتاب أقرب من تصديقكم المؤمنين منهم، فاسألوهم ليخبروكم: هل كانت الرسل ملائكة أو بشرًا، إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك.

قال البيضاوي: وفي الآية دليل على أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا ملكًا للدعوة العامة. وأما قوله: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا «١» فمعناه: رسلاً إلى الأنبياء. وقيل: لم يُبعثوا إلى الأنبياء إلا متمثلين بصورة الرجال. ورُدَّ بما رُوي أنه عليه صلى الله عليه وسلم رأى جبريلَ عليه السلام على صورته التي هو عليها مرتين. وعلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم. هـ. ومفهوم قوله: «الدعوة العامة» : أن الدعوة الخاصة كالأنبياء- عليهم السلام-، فإن الله يبعث إليهم الملك ليعلمهم أمر دينهم.

ثم قال تعالى: بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ أي: أرسلناهم بالمعجزات والكتب. وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ أي: القرآن لأنه تذكير ووعظ، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ من الأحكام، مما أمروا به ونهوا عنه، ومما تشابه عليهم منه.

والتبيين أعم من أن ينص على المقصود، أو يرشد إلى ما يدل عليه، كالقياس ودليل العقل. قاله البيضاوي. قال ابن جزي: يحتمل أن يريد: لتبين القرآن بسردك نَصَّهُ وتعليمِهِ، أو لتُبين معانيه بتفسير مُشكله، فيدخل في هذا ما سنته السنة من الشريعة. هـ. وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ في عجائبه وأسراره، فيخوضون بسفن أفكارهم في تيار بحر معانيه وأنواره، فينتبهون للحقائق والشرائع.

الإشارة: كما لم يبعث الله في الدعوة العامة- وهي دعوة الرسالة- إلا رجالاً من البشر، كذلك لم يبعث الله في الدعوة الخاصة- وهي دعوة الولاية إلى سر الخصوصية- إلا رجالاً من البشر أحياء، يُربون التربية النبوية العرفية، فلا يصلح للتربية النساء لقلة عقلهن «٢» ، ولا الجن لانحرافه عن الاعتدال الذي في البشر، ولا الميت لعدم وجود بشريته فإنَّ بشرية الحي تمد البشرية، والروحانية تمد الروحانية. فلا تتهذب البشرية إلا بشهود بشرية الشيخ، ولا تصفى الروحانية إلا بالقرب من روحانية الشيخ. ولذلك قالوا: الثدي الميتة لا تُرضع. وقولنا: «التربية العرفية» أعني: بالصحبة العرفية، وأما التربية الغيبية، على وجه خَرْق العادة، كطيران الشيخ إلى المريد، أو المريد إلى الشيخ، فلا تجد صاحب هذه التربية إلا منحرفًا لإحدى الجهتين، إما إلى الحقيقة أو إلى الشريعة، بخلاف التربية العرفية، فلا يكون صاحبها، في الغالب، إلا معتدلاً كاملا.


(١) من الآية الأولى من سورة فاطر.
(٢) هذا رأى الشيخ المفسر، لكن تاريخ المسلمين لا يمنع من هذا، وسير الصالحات الزاهدات تبرهن على عكس ذلك، اقرأ مثلا كتاب ذكر النسوة التعبدات الصوفيات، لأبى عبد الرحمن السلمى، وتراجم الصالحات فى سير أعلام النبلاء، وفى حلية الأولياء وفى صفة الصفوة. وعلى أية حال: من يقوم بتربية الأولاد فى بيوت المسلمين الصالحين؟ ورب امرأة صالحة تربى رجلا، بل رجالا.

<<  <  ج: ص:  >  >>