وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى: لفظ يقتضي صلة الرحم، ويعم جميع إسداء الخير إلى القرابة، وتركه مبهمًا أبلغ لأن كل من وصل في ذلك إلى غاية- وإن علت- يرى أنه مقصر، وهذا المعنى المأمور به في جانب ذي القربى داخل تحت العدل والإحسان، لكنه تعالى خصه بالذكر اهتمامًا به وحضًا عليه. هـ.
يَعِظُكُمْ بما ذكر من التمييز بين الأمر والنهي، والخير والشر، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ: تتعظون فتنهضون إلى ما أمرتكم به وندبتكم إليه، وتنكفوا عما نهيتكم عنه وحذرتكم منه.
الإشارة:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) بالتوسط في الأمور كلها، كالتوسط في السير والمجاهدة فإن الإسراف يوقع فى الملل، قال- عليه الصلاة والسلام-: «لا يكن أحدكم كالمنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى» . وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:«إنَّ اللهَ لا يملَ حتى تَملوا» . والله ما رأيت أحداً أسرف في الأحوال فوصل إلى ما قصد، إلا النادر، وخير الأمور أوسطها. ويأمر بالإحسان، وهو: مقام الشهود والعيان. (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) قرابة الدين، وهم: الإخوان في الله، ما يستحقونه من النصح والإرشاد، (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) : الركون لغير الله، (وَالْمُنْكَرِ) : التكبر على عباد الله، (وَالْبَغْيِ) : ظلم أحد من خلق الله، من الفيل إلى الذرة.
وقال في الإحياء: بين التبذير والإقتار المذمومين وسط، وهو المحمود المأمور به، والواجب منه شيئان: واجب بالشرع، وواجب بالمروءة. والسخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة، فإن منع واحدًا منهما فهو بخيل، كالذي يمنع أداء الزكاة، ويمنع أهله وعياله النفقة، أو يؤديها لا بطيب نفسه، بل بتكلف ومشقة. وكالذي يتيمم الخبيث من ماله، ولا يعطي من أطيبه وأوسطه، فهذا كله بُخل. وأما واجب المروءة فهو: ترك المضايفة والاستقصاء في المحقرات، وذلك يختلف فيستقبح من الغني ما لا يستقبح من الفقير، ويستقبح من الرجل مع أقاربه ما لا يستقبح مع الأجانب، وكذلك الجار والمماليك والضيف. هـ.
وقال الورتجبي: إنَّ الله تعالى دعا عباده إلى الاتّصاف بصفته، منها: العدل والإحسان والشفقة والرحمة، والقدس، والطهارة عما لا يليق به. فهو العادل والمحسن، والرحمن الرحيم، غير ظالم جائر، وهو مُنزه عن جميع العلل، فمن كُسِي أنوار هذه الصفات، بنعت الذوق والمباشرة، واستحلى تربيتها يخرج عادلاً محسنًا، رؤوفًا رحيمًا، طاهرًا مطهرًا، صادقًا مصدقًا، وليًا، حبيبًا محبوبًا، مريدًا مرادًا، مُراعَى محفوظًا، يعدل بنفسه فيدفعها عن الشك والشرك، ورؤية الغير وطلب العوض في العبودية، ويأخذ منها الإنصاف بينها وبين عباد الله، ويحسن إلى من أساء إليه، ويعبد الله بوصف الرؤية وشهود غيبه، ويراعي ذوي القرابة، في المعرفة والمحبة من المريدين والصادقين، ويرحم الجهال من المسلمين، وينهى نفسه عن مباشرة فواحش الأنانية، ومباشرة الهوى والشهوة،