للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قفا الشيء يقفوه: تبعه. والضمير في «عَنْهُ» : يجوز أن يعود لمصدر «لا تَقْفُ» ، أو لصاحب السمع والبصر.

وقيل: إن «مَسْؤُلًا» مسند إلى «عَنْهُ» كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ «١» ، والمعنى: يسأل صاحبه عنه، وهو خطأ لأن الفاعل وما يَقوم مقامه لا يتقدم. قاله البيضاوي.

قال ابن جزي: الإشارة في «أُولئِكَ» : إلى السمع والبصر والفؤاد، وإنما عاملها معاملة العقلاء في الإشارة بأولئك لأنها حواس لها إدراك، والضمير في «عَنْهُ» : يعود على «كُلُّ» ، ويتعلق «عَنْهُ» بمسئولا. هـ. وضمير الغائب يعود على المصدر المفهوم من «مَسْؤُلًا» . و (مَرَحاً) : مصدر في موضع الحال. و (مَكْرُوهاً) : نعت لسيئة، أو بدل منها، أو خبر ثان لكان.

يقول الحق جلّ جلاله: وَلا تَقْفُ تتبع ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، فلا تقل ما لا تحقيق لك به من ذم الناس ورميهم بالغيب. فإذا قلت: سمعتُ كذا، أو رأيت كذا، أو تحقق عندي كذا، مما فيه نقص لأحد، فإنك تُسأل يوم القيامة عن سند ذلك وتحقيقه. وهذا معنى قوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا. قال البيضاوي: ولا تتبع ما لم يتعلق علمك به تقليدًا، أو رجمًا بالغيب. واحتج به من منع اتباع الظن، وجوابه: أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند، سواء كان قطعيًا أو ظنيًا إذ استعماله بهذا المعنى شائع. وقيل: إنه مخصوص بالعقائد. وقيل: بالرمي وشهادة الزور، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: «من قَفَا مُؤْمنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ، حَبَسَهُ اللهُ فِي رَدْغَةِ الخَبَالِ «٢» ، حَتَّى يَأتِيَ بِالمَخْرَجِ» «٣» . إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ أي: كل هذا الأعضاء الثلاثة كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا كل واحد منها مسئول عن نفسه، يعني: عما فعل به صاحبه. هـ مختصرًا.

وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي: ذا مرح، وهو: التكبر والاختيال، إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ لن تجعل فيها خرقًا لشدة وطأتك وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا تتطاول عليها عزّا وعلوا، وهو تهكم بالمختال، وتعليل للنهي، أي: إذا كنت لا تقدر على هذا، فلا يناسبك إلا التواضع والتذلل بين يدي خالقك، كُلُّ ذلِكَ المذكور، من قوله: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى هنا، وهي: خَمْسٌ وعشرون خصلة، قال ابن عباس: (إنها المكتوبة في ألواح موسى) ، فكل ما ذكر كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ «٤» أي: خصلة قبيحة مَكْرُوهاً أي: مذمومًا مبغوضًا.

والمراد بما ذكر: من المنهيات دون المأمورات.


(١) من الآية ٧ من سورة الفاتحة.
(٢) قال ابن الأثير: وردغة الخبال، جاء فى الحديث أنها عصارة أهل النار ... انظر النهاية (خبل- ردغ) .
(٣) أخرجه أحمد فى المسند (٢/ ٧٠) وأبو داود فى (الأقضية، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها) ، من حديث ابن عمر، بلفظ: «من قال فى مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال» .
(٤) قرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف «سيئه» بضم الهمز والهاء مضافا لهاء المذكر الغائب. اسم كان، وقرأ الباقون «سيئة» بفتح الهمزة ونصب تاء التأنيث مع التنوين على التوحيد خبر كان ... انظر الإتحاف (٢/ ١٩٧) والبحر المحيط (٦/ ٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>