للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: قد وصف الله- تعالى- أهلَ الكهف بخمسة أوصاف هي من شعار الصوفية الإيمان، الذي هو الأساس، وزيادة الاهتداء بتربية الإيقان إلى الوصول إلى صريح العرفان، وربط القلب في حضرة الرب، والقيام في إظهار الحق أو لداعي الوجد، والصدع بالحق من غير مبالاة بأحد من الخلق.

وقال الورتجبي في قوله تعالى: وَزِدْناهُمْ هُدىً: أي: زدناهم نورًا من جمالي، فاهتدوا به طرق معارف ذاتي وصفاتي، وذلك النور لهم على مزيد الوضوح إلى الأبد لأن نوري لا نهاية له. وقال عند قوله: إِذْ قامُوا: قد استدل بهذه الآية بعضُ المشايخ على حركة الواجدين في وقت السماع والذكر لأن القلوب إذا كانت مربوطة بالملكوت ومحل القدس حرَّكها أنواعُ الأذكار وما يَرِد عليها من فنون السماع. والأصل قوله: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا، نعم هذا المعنى إذا كان القيام قيامًا بالصورة، أي: الحسية في القيام الحسي، وإذا كان القيام من جهة الحفظ والرعاية، والربط من جهة النقل من محل التلوين إلى محل التمكين، فالاستدلال بها في السكون في الوجد أحسن، إذا كان الربط بمعنى التسكين والقيام بمعنى الاستقامة. هـ.

قلت: الحاصل: أنا إذا حملنا القيام على الحسي ففيه دليل لأهل البداية على القيام في الذكر والسماع. وإذا حملناه على القيام المعنوي، وهو النهوض في الشيء، أو الاستقامة عليه كان فيه دلالة لأهل النهاية على السكون وعدم التحرك، وكأنه يشير إلى قضية الجنيد في بدايته ونهايته. والله تعالى أعلم.

وقال ابن لب: قد اشتهر الخلاف بين العلماء في القيام لذكر الله- تعالى- وقد أباحته الصوفية، وفعلته ودامت عليه، واستفادوه من كتاب الله تعالى من قوله- عزّ وجلّ- في أصحاب الكهف: إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وإن كانت الآية لها محامل أخر سوى هذا. هـ. قلت: وقوله تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً «١» : صريح في الجواز.

وقال في القوت: وقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ برجل يظهر التأوه والوجد، فقال مَنْ كان معه: أتراه يا رسولَ الله مُرائيًا؟ فقال: «لا، بل أَوَّاهٌ مُنِيبٌ» «٢» ، وقال لآخر: أظهر صوته بالآية: «أِسْمِع الله عزَّ وجّل ولا تُسَمِّع» ، فأنكر عليه بما شهد فيه، ولم ينكر على أبي موسى قوله: (لو علمتُ أنك تَسمع لحبَّرته لك تحبيرًا) لأنه ذو نية في الخير وحسن قصد به، ولذا كل من كان له حسن قصد، ونية خير، في إظهار عمل، فليس من السمعة والرياء في شيء لتجرده من الآفة الدنيوية، وهي الطمع والمدح. هـ.


(١) من الآية ١٥١ من سورة آل عمران.
(٢) أخرجه بنحوه أحمد فى المسند (٤/ ١٥٩) ، والطبراني فى الكبير (١٧/ ٢٩٥) ، عن عقبة بن عامر، وحسّنه الهيثمي فى المجمع (٩/ ٣٧٢) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>