للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: مَن قرأ: «يَسمع» بفتح الياء، فالصُّم: فاعل، والدعاء: مفعول، ومن قرأ بضم التاء، رباعي فالصم: مفعول أول، والدعاء: مفعول ثان. ومن قرأ: «مثقال» بضم اللام، فكان تامة، وبالنصب: خبر كان، أي: وإن كان العمل المدلول عليه بوضع الموازين.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم يا محمد: إِنَّما أُنْذِرُكُمْ وأخوفكم من العذاب الذي تستعجلونه، أو بالساعة الموعودة، بِالْوَحْيِ القرآني الصادق، الناطق بإتيانه، وفظاعة شأنه، أي: إنما شأني أن أُنذركم بالإخبار به، لا بإتيانه فإنه مخالف للحكمة الإلهية إذ الإيمان برهاني لا عياني، فإذا أَنذرتَهم فلا يسمع إنذارك إلا مَن سبقت له العناية، دون مَن سبق له الشقاء، ولذلك قال تعالى: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ أي:

الإنذار، أو لا تُسمع أنت الصمَّ الدعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ يُخوَّفون، واللام فى الصُّمُّ للعهد، وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين، والأصل: ولا يسمعون إنذارك إذا يُنذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى تصاممهم وسد أسماعهم إذا أنذروا، وتسجيلاً عليهم بذلك. وفي التعبير بالدعاء، دون الكلام في الإنذار، إشارة إلى تناهي صممهم في حال الإنذار، فإن الدعاء من شأنه أن يكون بأصوات عالية مكررة مقارنة لهيئة دالة عليه، فإذا لم يسمعوا، مع هذه الحالة، يكون صممهم في غايةٍ لا غاية وراءها.

وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ أي: دفعة يسيرة مِنْ عَذابِ رَبِّكَ أي: كائنة منه، لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ، وهذا بيان لسرعة تأثيرهم من مجيء نفس العذاب، إثر بيان عدم تأثرهم من مجرد الإخبار به، لانهماكهم في الغفلة، أي: والله لئن أصابهم أدنى شيء من هذا العذاب الذي يُنذرون به، لذلوا، ودَعوا بالويل على أنفسهم، وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصامموا وأعرضوا. وقد بُولغ في الكلام، حيث عبَّر بالمس والنفح لأن النفح يدل على القلة، فأصل النفح: هبوب رائحة الشيء، يُقال: نفحه بعطية، إذا أعطاه شيئًا يسيرًا، مع أن بناءها للمرة مؤكد لقلتها.

ثم بيَّن ما يقع عند إتيان ما أنذروه، فقال: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ أي: نقيم الموازين العادلة التي تُوزن بها الأعمال، وهو جمع ميزان، وهو ما يوزن به الشيء ليُعرف كمِّيته. وعن الحسن: «هو ميزان له كفتان ولسان» ، وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها، والوزن لصحائف الأعمال في قول، وقيل: وضع الميزان كناية عن تحقيق العدل، والجزاء على حسب الأعمال. وإفراد القسط لأنه مصدر وصف به للمبالغة، كأنها في نفسها قسط، أو على حذف مضاف، أي: ذوات القسط. وقوله: لِيَوْمِ الْقِيامَةِ أي: لأهل يوم القيامة، أي: لأجلهم، أو في يوم القيامة، فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً من الظلم، ولا تنقص حقًا من حقوقها، بل يُؤتى كل ذي حق حقه، إن خيراً فخير، وإن شرا فشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>