ابن السبيل، شاكرًا لأنعم الله، لا يصيب منه إبليس ما يصيب من أهل الغنى من الغفلة والغِرَّة، وكان معه ثلاثةً قد آمنوا به: رجل من اليمن واثنان من بلده، كُهُولا. قال وهب: فسمع إبليس تَجَاوُبَ الملائكة بالصلاة عليه في السماء فحسده، فقال: إلهي، عبدك أيوب أنعمتَ عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ولم تجرّبه بشدّة ولا بلاء، فلو جربته بالبلاء ليكفرنّ بك وبنعمتك، فقال له تعالى: انطلق، فقد سلطتك على ماله، فجمع عفاريته وأخبرهم، فقال عفريت من الجن: أُعطيتُ من القوة ما إذا تحوّلت إعصارًا من نار أحرقتُ كل شيء آتي عليه، فقال له إبليس:
دونك الإبل ورعاتها، فجاءها حتى وثبت في مراعيها، فأثار من تحت الأرض إعصارًا من نار فأحرقها وأحرق رعاءها. فلما فرغ منها تمثل إبليس براعيها، وجلس على قَعُودٍ منها، فأتاه، وقال: يا أيوب، إن ربك الذي عبدته قد أحرق إبلك ورُعَاءَها، فقال أيوب: هو ماله، أعارنيه، يفعل فيه ما يشاء، فرجع إبليس خاسئًا، حين حمد أيوبُ ربه، فقال عفريت آخر: عندي من القوة ما إذا صِحتُ لم يسمع صوتي ذو رُوح إلا خرجت روحه، قال له إبليس: ائت الغنم ورعاءَها، فأتى، فصاح، فصارت أمواتًا ورعاتها، ثم خرج إبليس متمثلاً بقهرَمَان «١» الرعاة، فقال له كمقالته في الإبل، فأجابه أيوب بمثل ما أجابه فيها، فرجع خاسئًا، فقال عفريت آخر: عندي من القوة ما إذا تحولتُ ريحًا عاصفًا نسفتُ كل شيء أتيت عليه، قال إبليس: فأتِ الفدادين والحرث، فجاءها، فَهبَّتْ ريح عاصفة فنسفت كل شيء، حتى كأنه لم يكن ثَمَّ شيء، فخرج إبليس متمثلاً بقهْرَمَان الحرث، فقال له مثل قوله الأول، وردَّ عليه مثل رده، حتى أتى على جميع ماله، وأيوب يحمد الله تعالى.
فقال إبليس: إلهي إن أيوب يقول: إنك ما متعْتَهُ إلا بنفسه وولده، فهل تسلطني على ولده، فإنها الفتنة؟ قال الله تعالى: قَدْ سلطتك على ولده، فجاء إبليس فقلب عليهم القصر منكسين، وانطلق إلى أيوب متمثلاً بالمُعلم الذي يُعلمهم الحكمة، وهو جريح، فقال: يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عُذبوا؟ ونُكِّسوا على رؤوسهم، وسال دماغهم من أنوفهم، فلم يزل من قوله حتى رقَّ أيوبُ وبكى، وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه، فصعد إبليس مسرورًا، ثم ذهب أيوب، فلما أبصر ذلك استغفر، وصعد قرناؤه من الملائكة، بتوبته فبادروا إلى الله تعالى، وهو أعلم، فوقف إبليس خاسئًا، فقال: إلهي إنما هوّن أيوب خطر المال والولد، فهل أنت مسلطي على جسده؟ فإني لك زعيم إن سَلَّطَّني على جسده ليكفرنّ بك، قال الله تعالى: قَدْ سلطتك على جسده، ولكن ليس لك سلطان على لسانه وقلبه وعقله، فجاءه إبليس فوجده ساجدًا، فجاء من قِبل الأرض، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده، فَوهِلَ، وخرج من قرنه إلى قدمه تآليل مثل آليَاتِ الغنم، ووقعت به حكة لا يملكها، فحك بأظفاره، ثم بالمسُوح الخشنة، ثم بالحجارة، حتى نغل لحمه، وتغير، ونش، وتدود، فأخرجه أهل القرية، وجعلوه على كناسة، وجعلوا له عريشًا، ورفضه الخلق كلهم، إلا «رحمةً» امرأته بنت إفرائيم بن يوسف عليه السلام، فقامت عليه بما يصلحه.
(١) القهرمان: هو المسيطر الحفيظ على من تحت يديه، وهو فارسى معرب.. انظر اللسان (قهرم) .