للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتضررون بالنار. وأما من يعقل فلا يدخل حيث عبَّر بما. وقيل: يدخل، ثم استثناه بقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ... ، فكل من عبد شيئًا من دون الله فهو معه، حَصَبُ جَهَنَّمَ أي: حطبها، وقرئ بالطاء، أي: وقودها أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ أي: فيها داخلون.

لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً كما زعمتم ما وَرَدُوها ما دخلوا النار، وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ أي: وكل من العابد والمعبود في النار خالدون. لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ أي: للكفار في النار أنينٌ وبكاء وعويل، وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ شيئًا لأن في سماع بعضهم بعضًا نوع أُنس. قال ابن مسعود رضى الله عنه: يُجعلون في توابيت من نار، ثم جعلت التوابيت في توابيت أُخَر لها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئًا.

رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرام، وصَنَادِيدُ قُريشٍ في الحَطِيمِ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثلاثمائة وَسِتونَ صَنَمًا، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ، فكلَّمهُ النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى أفْحَمَهُ، ثُمَّ تلا عليه وعليهم: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ... الآيات الثلاث. ثم أقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزِبَعْرَى فرآهم يتساهمون، فقال: فيم خوضكم؟ فأخفى الوَلِيدُ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبره بعضهم بما قاله، عليه الصلاة والسّلام، فقال ابن الزبعرى للنبي صلى الله عليه وسلم: أأنت قلت: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ؟ قال: نعم، قال: قد خصمتك، ورب الكعبة، أَلَيْست اليَهُودُ تعبد عُزَيرًا، والنصارى تعبد المَسِيحَ، وبَنُو مُلَيْحٍ يعبدون الملائكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«بَلْ هُمْ يَعْبُدُونَ الشياطِينَ الّتي أَمَرَتْهُم بِهذا، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى..» «١» .

قلت: كل من عَبَدَ شيئًا من دون الله فإنما عَبَدَ في الحقيقة الشيطان لأنه أمر به وزينه له، ويدل على ذلك أنهم يتبرؤون يوم القيامة، حين تتحقق الحقائق، من عبادتهم، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ «٢» مع قوله تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ «٣» . والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه بنحوه الواحدي فى الأسباب (٤١٣) . والطبراني فى الكبير (١٢/ ١٥٣ ح ١٢٧٣٩) ، عن ابن عباس وأخرجه، مختصرا، الطبري (١٧/ ٩٧) ، والحاكم فى (التفسير ٢/ ٣٨٥) وصححه، ووافقه الذهبي.
(٢) الآيتان: ١٧- ١٨ من سورة الفرقان.
(٣) من الآية ٣٨ من سورة العنكبوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>