من أشراطها. قالوا: ومن أشراط الساعة، قبل قيامها، ست آيات: بينما الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، ثم تناثرت النجوم، ثم وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت الأرض، ففزع الإنسُ والجن، وماج بعض في بعض خوفًا ودهشًا، فقالت الجنُ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فذهبوا، فرأوا البحار تَأَجَّجُ نارًا، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض إلى الأرض السابعة، ثم جاءتهم الريح فماتوا. هـ. وانظر ابن عطية. قاله المحشي.
والتحقيق: ما قدمناه عند قوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ «١» ، وأنَّ الريح إنما تقبض أرواح المؤمنين، وهذه الزلزلة إنما تقع عند نفخة الصعق. والله تعالى أعلم. وفي التعبير ب (شيء عظيم) إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها، والعبارة ضيقة، لا تحيط بها إلا على وجه الإبهام.
ثم هوَّل شأنها، فقال: يَوْمَ تَرَوْنَها
أي: الزلزلة، وتُشاهدون هول مطلعها، تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ
أي:
مباشرة للإرضاع، عَمَّا أَرْضَعَتْ
أي: تغفل وتغيب، من شدة الدهش عما هي بصدد إرضاعه من طفلها، الذي ألقمته ثديها. فالمرضعة، بالتاء، هي المباشرة الإرضاع بالفعل، والمرضع- بلا تاء- لمن شأنها ترضع، ولو لم تباشر الإرضاع. والتعبير عنه «بما» ، دون «من» لتأكيد الذهول، كأنها من شدة الهول لا تدري من هو بخصوصه، وقيل: «ما» مصدرية، أي: تذهل عن إرضاعها. والأول أدل على شدة الهول وكمال الانزعاج.
وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
أي: تلقى جنينها من غير تمام، كما أن المرضعة تذهل عن ولدها قبل الفطام. وهذا على قول من يقول: إنها قبل نفخة الصعق ظاهر، وأما على من يقول، إنها بعد قيام الساعة، فقد قيل:
إنه تمثيل لتهويل الأمر وشدته. وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
أي: وترى أيها الناظر الناس سكارى، على التشبيه، من شدة الهول، كأنهم سكارى لمّا شاهدوا بساط العزة وسلطنة القهرية، حتى قال كلُّ نبي: نفسي نفسي. وَما هُمْ بِسُكارى
على التحقيق، وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
، فخوف عذابه هو الذي أذهل عقولهم، وطيَّر تمييزهم، وردهم في حال من يَذهب السكُر بعقله وتمييزه. وعن الحسن: وترى الناس سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب. وقرئ: (سُكارى)
كعطشى. والمعنى واحد، غير أن فعلى يختص بما فيه آفة، كجرحى وقتلى ومرضى. والله تعالى أعلم.
الإشارة: يا أيها الناس اتقوا ربكم وتوجهوا إليه بكليتكم، حتى تُشرق على قلوبكم أنوار ربكم، فتزلزل أرض نفوسكم، وتدك جبال عقولكم، عند سطوع شمس العرفان، والاستشراف على مقام الإحسان. إن زلزلة الساعة، التي تشرف فيها على أسرار الذات، شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، لو كانت أنثى،
(١) الآية ٩٧ من سورة الأنبياء.