للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والسلام- عن الأنبِيَاءِ، فقال: «مِائَةُ أَلْفٍ وأرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ ألْفًا، قِيل: فَكمِ الرُّسُلُ مِنْهُمْ؟ قال: ثَلاثُمِائةٍ وثلاثَةَ عَشَرَ، جَمًّا غَفِيرًا» «١» .

إِلَّا إِذا تَمَنَّى هيأ في نفسه ما يهواه كهداية قومه ومقاربتهم له، أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ في تشهيه ما يُوجب حصول ما تمناه، أو مقاربته، كما ألقى في مسامع قريش ما يُوجب مقاربتهم له- عليه الصلاة والسلام- ثم ينسخ الله ذلك. أو (إذا تمنى) : قرأ، كما قال الشاعر:

تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ ... تَمَنَّى دَاوُدَ الزَّبُورَ علَى رِسْلِ

أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ: في قراءته، حين قرأ سورة النجم بعد قوله: (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ، تلك الغرانيق العُلى، كما تقدم.

قال القشيري: كانت لنبينا صلى الله عليه وسلم سكتات، في خلال قراءته عند قراءة القرآن، عند انقضاء كل آية، فتلفظ الشيطان ببعض الألفاظ، فمن لم يكن له تحصيل توهم أنه من ألفاظ الرسول. هـ. وقال ابن البنا: التمني هو التلاوة التي يُتمنى فيها، فيتلو النبي وهو يريد أن يفهم عنه معناها، فيلقي الشيطان في فهوم السامعين غير المعنى المراد، وما قال الزمخشري: قرأ تلك الغرانيق العلى، على جهة السهو والغلط، فباطل، لقول الله العظيم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «٢»

، فهو معصوم من السهو والغلط في تبليغ الوحي هـ.

قلت: فتحصل أنه- عليه الصلاة والسلام- لم ينطق بتلك الكلمات قط، لا سهوًا ولا عمدًا، وإنما أُلقيت في مسامع الكفار ليحصل ما تمناه- عليه الصلاة والسلام- من المقاربة. ويدل على هذا أن من حضر من المسلمين لم يسمعوا من ذلك شيئًا، فإذا تقرر هذا علمت أن ما حكاه السلف الصالح من المفسرين وأهل السير من أصل القصة في سبب نزول الآية صحيح، لكنه يحتاج إلى نظر دقيق وتأويل قريب، فلا تَحْسُن المبادرة بالإنكار والرد عليهم، وهم عدول، لا سيما حبر هذه الأمة، وإنما يحتاج اللبيب إلى التطبيق بين المنقول والمعقول، فإن لم يمكن، قدَّم المنقول، إن ثبتت صحته، وحكم على العقل بالعجز. هذا مذهب المحققين من الصوفية- رضى الله عنهم- ونسبة الإلقاء إلى الشيطان أدب وتشريع إذ لا فاعل في الحقيقة سواه تعالى.

فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ أي: يَذهب به ويُبطله، أو يُرشد إلى ما يزيحه، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ أي:

يُثبتها ويحفظها عن لحوق الزيادة من الشيطان، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أي: عليم بما يوحى إلى نبيه، حكيم في وحيه، لا يدع الباطل يأتيه مِن بين يديه ولا من خلفه.


(١) أخرجه أحمد فى المسند (٥/ ٢٦٥) ، والطبراني فى الكبير (٨/ ٢٥٩) ، عن أبى أمامة، أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، وفيه: «وخمسة عشر» ، وأخرجه، بلفظ المفسر، ابن حبان فى (العلم، باب السؤال للفائدة، ح ٩٤ موارد) ، والبيهقي فى السنن الكبرى (٩/ ٤) عن أبى ذر.
(٢) الآيتان: ٣- ٤ فى سورة النجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>