للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحباي أَنتُم، أَحْسَنَ الدَّهرُ أم أَسا ... فَكُونُوا كما شِئتُمُ، أَنا ذَلك الخِل

وقال أيضاً:

لَو قالَ تِيهاً: قِف عَلَى جَمْرِ الغَضَا «١» ، ... لوقفتُ مُمْتثلاً ولَمْ أَتَوقَّفِ

وقال آخر:

ولَو عَذَّبْتَني في النارِ حتْماً ... دخلتُ مُطاوعاً وسْطَ الجَحِيمِ

إذا كَانَ الجَحِيمُ رِضَاك عَنِّي ... فَمَا ذاكَ الجَحِيمُ سِوَى نَعِيمِ

الإشارة: المحبةُ: مَيلٌ دائم بقلب هائم، أو مراقبة الحبيب في المشهد والمغيب، أو مواطأةُ القلب لمراد الرب، أو خوف ترك الخدْمة مع إقامة الحُرْمة، أو اسْتِقْلالُ الكثير من نفسك واستكثارُ القليل مِنْ حبيبك، أو معانقة الطاعة ومباينة المخالفة، وقال الشِّبْلِي: (أن تَغَار على المحبوب أن يحبه مثلك) والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، ولا مشيئة له غير مشيئته، وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: (المحبة أخذة من الله لقلب عبده المؤمن عن كل شيء سواه، فترى النفس مائلة لطاعته، والعقل متحصّناً بمعروفه، والروح مأخوذة في حضرته، والسر مغمورا في مشاهدته، والعبد يستزيد من محبته فيزداد، ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته، فيكسي حلل التقريب على بساط القربة، ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم، فمن أجل ذلك قالوا: أولياء الله عرائس، ولا يَرَى العرائسَ المجرمون ... ) الخ كلامه.

واعلم أن محبة العبد لمولاه سببُها شيئان:

أحدهُما: نظر العبد لإحسان الله إليه وضروب امتنانه عليه، وجُبِلَت القلوبُ على حب من أحسن إليها، وهذا هو المسمى بحب الهوى، وهو مكتسب، لأن الإنسان مغمور بإحسانات الله إليه، ومتمكن من النظر فيها، فكلما طالَع منةً مِنْ مِنَن الله التي لا تقبل الحصر ولا العدَّ، كان ذلك كحَبة زُرعت في أرض قلبه الطيب الزكي، فلا يزال يطالع مِنّةً بعد منّة، وكلُّ منّة أعظم من التي قبلها، لأنه كلما طالع المنن تنور قلبه وازداد إيماناً، وكشف من دقائق المنن ما لم يكن يُكشف له قبلُ، وظهر له خفايا المنن، وعظمت محبته.


(١) الغضى: شجر خشبه من أصلب الخشب، وجمره يبغى زمانا طويلا لا ينطفئ.

<<  <  ج: ص:  >  >>