للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أي: أئمة يقتدى بنا في الدين، فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس، أو: واجعل كل واحد منا إماماً أي: من أولادنا إماماً. والظاهر: أن صدور هذا الدعاء منهم كان بطريق الانفراد إذ يتعذر اجتماعهم في دعاء واحد. وإنما كانت عبارة كل واحد منهم عند الدعاء: واجعلني للمتقين إماماً، غير أنه حكيت عبارة الكل بصيغة المتكلم مع الغير قصداً إلى الإيجاز، كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ «١» .

وأبقى إماماً على حاله من الانفراد. قيل: وفي الآية دليل على أن الرئاسة في الدين ينبغي أن تُطلب ويُرغب فيها، إذا كان القصد نفع عباد الله دون حظ نفساني.

أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ، جنس، أي: الغرفات، وهي العلالي في الجنة. ووحده بقصد الجنس. بِما صَبَرُوا بصبرهم على مشاق الطاعات، وترك الشهوات، وتحمل المجاهدات، وعلى إذاية أهل الإنكار، وارتكاب الذل والافتقار. وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً أي: تحييهم الملائكة، ويدعون لهم بطول الحياة والسلامة من الآفات. أو: يُحيي بعضُهم بعضاً، ويسلمون عليهم، خالِدِينَ فِيها لا يموتون ولا يخرجون، حَسُنَتْ أي: الغرفة مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً موضعَ قرارٍ وإقامة، وهى فى مقابلة: ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً.

قُلْ يا محمد: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ أي: ما يصنع بكم ربِّي، وأي فائدة في خلقكم، لولا دعاؤكم إلى الإسلام والتوحيد، أو: لولا عبادتكم له، أي: إنما خلقكم لعبادته كقوله: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «٢» فإنما خلق الإنسان لمعرفته وطاعته، وإلا فهو وسائر البهائم سواء. قال المحشي: والظاهر: أنه خطاب لقريش القائلين: أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا أي: لا يحفل بكم ربي لولا تضرعكم واستغاثتكم إياه في الشدائد. هـ.

وقيل: ما يعبأ: بمغفرة ذنوبكم، ولا هو عنده عظيم، لولا دعاؤكم معه الآلهة والشركاء، كقوله: مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ «٣» ، قاله الضحاك. ثم قال: فظاهره: أن «ما» : استفهامية، ويحتمل كَوْنُهَا نَافِيَةً.

انظر بقية كلامه.

وفسّر البخاري الدعاء هنا بالإيمان «٤» ، أي: ما يبالي بكم ربي لولا إيمانكم المتوقع من بعضكم، فَقَدْ كَذَّبْتُمْ بما جاء به الرسول فتستحقون العقاب، فَسَوْفَ يَكُونُ العذاب الذي أنْتَجَهُ تكذيبكم لِزاماً لازماً لكم لا تنفكون عنه، حتى يكبكُم في النار. فالفاء في قوله: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ استئناف وتعليل لكونهم لا يُعبأ بهم، وإنما أضمر العذاب من غير تقدُّم ذكرٍ للإيذان بغاية ظهوره وتهويل أمره، وأنه مما لا تفي العبارة به.


(١) من الآية ٥١ من سورة المؤمنون.
(٢) من الآية ٥٦ من سورة الذاريات. [.....]
(٣) من الآية ١٤٧ من سورة النساء.
(٤) انظر فتح الباري (كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم ١/ ٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>