للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفريق كافر، أو: يختصمون فيه، فكل فريق يقول: الحق معي. وقد فسر هذا الاختصام قوله تعالى في الأعراف:

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ «١» . قالَ عليه السلام للفريق الكافر، بعد ما شاهد منهم ما شاهد من نهاية العتو والعناد، حتى استعجلوا العذاب: يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ بالعقوبة السيئة قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي: التوبة الصالحة، فتؤخرونها إلى حين نزولها، حيث كانوا- من جهلهم وغوايتهم يقولون: إن وقع العذاب تُبنا حينئذٍ، وإلا فنحن على ما كنا عليه. أو: لِمَ تستعجلون بالعذاب قبل الرحمة، أو: بالمعصية قبل الطاعة، لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ: هلا تطلبون المغفرة من كفركم بالتوبة والإيمان قبل نزوله، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بالإجابة قبل النزول، إذ لا قبول بعده، قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ تشاء منا بك وَبِمَنْ مَعَكَ من المؤمنين لأنهم قُحِطوا عند مبعثه لكفرهم، فنسبوه إلى مجيئه. والأصل: تطيرنا. وقرئ به، فأدغمت التاء في الطاء، وزيدت ألف وصل، للسكون.

قالَ صالح عليه السلام: طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أي: سببكم الذي به ينالكم ما ينالكم من الخير والشر عند الله، وهو قدره وقضاؤه، أو: عملكم مكتوب عند الله، فمنه نزل بكم ما نزل، عقوبة لكم وفتنة. ومنه: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ «٢» أي: ألزمناه جزاء عمله، أو: ما قدر له في عنقه، وأصله: أن المسافر كان إذا مرّ بطائر يزجره، فإن مر إلى جهة اليمين تيمن، وإن مر إلى ناحية الشمال تشاءم، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته، أو: من عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ: تختبرون بتعاقب السراء والضراء، أو: تعذبون، أو: يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة. قال- عليه الصلاة والسلام-: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ» «٣» وقال أيضاً: «إذا تطيرت فلا ترجع» «٤» . والله تعالى أعلم.

الإشارة: سَير أهل التربية مع أهل زمانهم كسير الأنبياء مع أممهم، إذا بعثهم الله إلى أهل زمانهم اختصموا فيهم، ففريق يصدق وفريق يكذب، فيطلبون الكرامة والبرهان، ويتطيرون بهم وبمن تبعهم، إن ظهرت بهم قهرية من عند الله، كما رأينا ذلك كله. وبالله التوفيق.


(١) الآيتان: ٧٥- ٧٦ من سورة الأعراف.
(٢) من الآية ١٣ من سورة الإسراء.
(٣) أخرجه البخاري فى (الطب، باب الطيرة، ح ٥٧٥٣) ومسلم فى (السلام، باب الطيرة والفأل ٤/ ١٧٤٧، ح ٢٢٢٥) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٤) قال ابن حجر فى الفتح (١٠/ ٢٢٤) : أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يسلم منهن أحد:
الطيرة، والظن، والحسد، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدتَ فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تٌحَقّق، وهذا مرسل أو معضل، لكن له شاهد من حديث أبى هريرة، أخرجه البيهقي فى الشعب. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>