للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله» «١» . وأيضاً: إذا حصل الاضطرار الحقيقي حصلت الإجابة قطعاً، إما بعين المطلوب، أو بما هو أتم منه، وهو الرضا والتأييد. وَيَكْشِفُ السُّوءَ وهو الذي يعترى الإنسان مما يسوؤه، كضرر أو جَور، وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أي: خلفاء فيها، تتصرفون فيها كيف شئتم، بالسكنى وغيره، وراثة عمن كان قبلكم من الأمم، قرناً بعد قرن. أو: أراد بالخلافة: الملك والتسلط. أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ الذي يفيض على الخلق هذه النعم الجسام، يمكن أن يعطيكم مثلها؟ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «٢» أي: تذكراً قليلاً، أو:

زماناً قليلاً تتذكرون فيه. و «ما» : مزيدة، لتأكيد معنى القلة، التي أريد بها العدم، أو: ما يجري مجراه في الحقارة وعدم الجدوى. وتذييل الكلام بنفي عدم التذكر منهم إيذان بأن وجود التذكر مركوز في ذهن كل ذكي، وأنه من الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه وتذكره. والله تعالى أعلم.

الإشارة: الاضطرار الحقيقي الذي لا تتخلف الإجابة عنه في الغالب: هو أن يكون العبد في حال شدته كالغريق في البحر وحده، لا يرى لغياثه غير سيده. وقال ذو النون: هو الذي قطع العلائق عما دون الله. وقال سهل بن عبد الله: هو الذي رفع يديه إلى الله تعالى داعياً، ولم تكن له وسيلة من طاعة قدّمها. هـ. بل يقدم إساءته بين يديه، ليكون دعاؤه بلا شيء يستحق عليه الإجابة، إلا من محض الكرم.

قال القشيري: يقال للجناية: سراية، فَمَن كان في الجناية مختاراً، فليس يسلم له دعوى الاضطرار عند سراية جرمه الذي سلف، وهو في في ذلك مختار، فأكثر الناس أنهم مضطرون، وذلك الاضطرار سراية ما بَرَزَ منهم في حال اختيارهم، ومادام العبد يتوهم من نفسه شيئاً من الحَوْلِ والحِيل، ويرى لنفسه شيئاً من الأسباب يعتمد عليه، ويستند إليه، فليس بمضطر، إلا أن يرى نفسه كالغريق في البحر، والضَّالِّ في المتاهة. والمضطر يرى غِيَاثه بيد سَيِّدهِ، وزِمَامَه في قبضته، كالميت في يد غاسِله، ولا يرى لنفسه استحقاقاً في أن يجاب، بل اعتقاده في نفسه أنه من أهل السخط، ولا يقرأ اسمه في ديوان السعادة، ولا ينبغي للمضطر أن يستعين بأحدٍ في أن يدعو له لأن الله وَعَدَ الإجابة له لا من يدعو له. هـ. وبحث معه المحشي الفاسي في بعض ألفاظه، فانظره.

قوله تعالى: وَيَكْشِفُ السُّوءَ. أي: ما يسوء القلب ويحجبه عن مولاه، من أكدار وأغيار، وقوله: (ويجعلكم خلفاء الأرض) أي: تتصرفون في الوجود بأسره، بهمتكم، إن زال غم الحجاب عنكم، وشاهدتم ربكم بعين


(١) جاء بلفظ: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليسَ فيها إثمٌ، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يجعل له دعوته، وإما أن يدخرها له فى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها..» الحديث، أخرجه أحمد فى المسند (٣/ ١٨) والحاكم (١/ ٤٩٣) وصححه، ووافقه الذهبي، والبزار (كشف الأستار، ح ٣١٤٣، ٣١٤٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) قرأ حفص، وحمزة، والكسائي «تذكرون» بتخفيف الذال. انظر الإتحاف (٢/ ٣٣٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>