للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإضافة لتفخيم شأنها وإجلال مكانها، الَّذِي حَرَّمَها أي: جعلها حرماً آمناً، يأمن الملتجأ إليها، ولا يختلي خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفّر صيدها. والتعرض لبيان تحريمه إياها تشريف لها بعد تشريف، وتعظيم إثر تعظيم، مع ما فيه من الإشعار بعلة الأمر بعبادة ربها، وأنهم مُكلفون بذلك، كما في قوله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ «١» . ومن الإشارة إلى غاية شناعة ما فعلوا فيها، ألا يُرى أنهم مع كونها محرمة من أن تنتهك حرمتها، ويلحد فيها بإثم، قد استمروا فيها على تعاطي أفجر الفجور، وأشنع الإلحاد، حيث تركوا عبادة ربها، ونصبوا الأوثان، وعكفوا على عبادتها، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون. قاله أبو السعود.

ثم قال تعالى: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ خلقاً وملكاً وتصرفاً، من غير أن يشاركه أحد في شيء من ذلك، تحقيقاً للحق، وتنبيهاً على إن إفراد مكة بالإضافة لما ذكر من التفخيم والتشريف، مع عموم الربوبية لجميع الموجودات.

وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ المنقادين له، الثابتين على ما كنا عليه، من ملة الإسلام والتوحيد. الذين أسلموا وجوههم له تعالى، وانقادوا إليه بالكلية.

وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ أي: أُواظب على تلاوته، لتنكشف حقائقه الرائقة، المخزونة فى تضاغيفه، شيئاً فشيئاً.

أو: على تلاوته على الناس بطريق تكرير الدعوة، وتثنية الإرشاد، فيكون ذلك تنبيهاً على كفايته في الهداية والإرشاد، من غير حاجة إلى إظهار معجزة أخرى.

فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ أي: فمن اهتدى بالإيمان به، والعمل بما فيه من الشرائع والأحكام، فإنما منافع هدايته عائدة إليه، لا إلى غيره. وَمَنْ ضَلَّ بالكفر به، والإعراض عن العمل بما فيه فَقُلْ في حقه: إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ وقد خرجتُ من عهدة الإنذار، فليس عليَّ من وبال ضلالته شيء. قال الصفاقسي: جواب «من» : محذوف، يدل عليه ما قبله، أي: فوبال ضلاله عليه، أو: يكون الجواب: «فقل» ، ويقدر ضمير عائد من الجواب إلى الشرط لأنه اسم غير ظرف، أي: من المنذرين له. هـ.

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما أفاض عليّ من نعمائه، التي أجلُها نعمة النبوة، المستتبعة لفنون النعم الدينية والدنيوية، ووفقني لتحمل أعبائها، وتبليغ أحكامها إلى كافة الورى، بالآيات البينة والبراهين النيرة، سَيُرِيكُمْ آياتِهِ قطعاً في الدنيا، التي وعدكم بها، كخروج الدابة وسائر الأشراط، فَتَعْرِفُونَها أي: فتعرفون أنها آيات


(١) الآيتان: ٣- ٤ من سورة قريش.

<<  <  ج: ص:  >  >>