للعهد أن يرده إليها، لما دَهَمَهما من الوجد، وقال لها الشيطان: يا أم موسى كرهتِ أن يقتل فرعون موسى وأغرقته أنتِ. وبلغها أنه وقع في يد فرعون، فعظم البلاء، إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ: لتبوح به وتظهر شأنه وأنه وَلدها.
قيل: لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول: يا ابناه، وقيل: لما سمعت أن فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه يقتله، فكادت تقول: يا ابناه شفقة عليه. و «إن» مخففة، أي: إنها كادت لتظهره لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها. والربط: تقويته بإلهام الصبر والتثبيت، لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: من المصدقين بوعدنا، وهو: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ. وجواب «لولا» : محذوف، أي: لأبْدته، أو: فارغاً من الهم، حين سمعت أن فرعون تبناه، إن كادت لتُبدي بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً مما سمعت، لولا أنا ربطنا على قلبها وثبتناه لتكون من المؤمنين الواثقين بعهد الله، لا بتبني فرعون. قال يوسف بن الحسن: أمرتُ أُم موسى بشيئين، ونهيت عن شيئين، وبُشرت ببشارتين، فلم ينفعها الكل، حتى تولى الله حياطتها، فربط على قلبها.
وَقالَتْ لِأُخْتِهِ مريم: قُصِّيهِ: اتبعي أثره لتعلمي خبره، فَبَصُرَتْ بِهِ أي: أبصرته عَنْ جُنُبٍ عن بُعدٍ. قال قتادة: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته، وأنها تقصه.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: ينبغي للعبد، الطالب لمولاه، أن يصبح فارغاً من كل ما سواه، ليس في قلبه سوى حَبيبه، فحينئذٍ يرفع عنه الحجاب، ويُدخله مع الأحباب، فعلامة المحبة: جمع الهموم في هَم واحد، وهو حب الحبيب، ومشاهدة القريب المجيب، كما قال الشاعر:
فرّغْ قلبك من الأغيار تملأه بالمعارف والأسرار. والأغيار: جمع غَيْرٍ، وهو ما سوى الله، فإن تلاشى الغير عن عين العبد شاهد مولاه في غيب ملكوته، وأسرار جبروته، وفي ذلك يقول القائل: