للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتصرفون فيه، كما قال: بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ، بل ذكر الضياء، وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة، وليس هو التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس هو بتلك المنزلة، ومن ثم قرن بالضياء.

أَفَلا تَسْمَعُونَ لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر، من ذكر منافعه، ووصف فوائده، وقرن بالليل أَفَلا تُبْصِرُونَ لأن غيرك يُبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه.

وَمِنْ رَحْمَتِهِ تعالى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ في الليل وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ بالنهار بأنواع المكاسب. وهو من باب اللف والنشر. وقال الزجاج: يجوز أن يكون معناه: لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من الله فيهما، ويكون المعنى: جعل لكم الزمان ليلاً ونهاراً لتسكنوا فيه، ولتبتغوا من فضله، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: ولكي تعرفوا نعمة الله فى ذلك فتشركوه عليها.

ثم قَرَّعهم على الإشراك، بعد هذا البيان التام، بقوله: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، وكرر التوبيخ على الشرك ليؤذن ألاَّ شيء أجلبُ لغضب الله تعالى من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده. وقال القرطبي: أعاد هذا لاختلاف الحالين، ينادون مرة، فيدعون الأصنام فلا تستجيب لهم، فيظهر كذبهم. ثم ينادون مرة أخرى فيسكنون، وهو توبيخ وزيادة خزي. ثم طرق كون المناداة من الله، أو ممن يأمره بذلك، لقوله: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ «١» ، ويحتمل: ولا يكلمهم بعد قوله: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «٢» أو: ولا يكلمهم كلام رضا. هـ «٣» .

وَنَزَعْنا وأخرجنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً، وهو نبيهم، يشهد عليهم بما كانوا عليه لأن الأنبياء شهداء على أممهم، فَقُلْنا للأمم: هاتُوا بُرْهانَكُمْ على صحة ما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسول، فَعَلِمُوا حينئذٍ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ في الألوهية، لا يشاركه فيها غيره، وَضَلَّ عَنْهُمْ غاب غيبة الشيء الضائع ما كانُوا يَفْتَرُونَ من ألوهية غير الله وشفاعة أصنامهم. والله تعالى أعلم.

الإشارة: دوام ليل القبض يمحق البشرية، ودوام نهر البسط يُطغي النفس، وتخالفهما على المريد رحمة، وإخراجه عنهما عناية، وفي الحكم: «بسطِك كي لا يتركك مع القبض، وقبضك كي لا يتركك مع البسط، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه» . وقال فارس رضي الله عنه: القبض أولاُ، ثم البسط، ثم لا قبض ولا بسط لأن القبض والبسط يقعان في الوجود، وأما مع الفناء والبقاء فلا. هـ.


(١) من الآية ١٧٤ من سورة البقرة.
(٢) من الآية ١٠٨ من سورة المؤمنون.
(٣) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>