للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالفعل أم لا. وعن على رضي الله عنه: إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل تحتها.

وعن الفضيل: أنه قرأها، ثم قال: ذهبت الأمانى هاهنا. وعن عمرُ بنُ عبد العزيز رضي الله عنه أنه كان يرددها حتى قُبض. وَالْعاقِبَةُ المحمودة لِلْمُتَّقِينَ ما لا يرضاه الله من العلو والفساد وغير ذلك.

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ذاتاً وقدراً ووصفا، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ما لا يرضاه الله تعالى، فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ، أصله: فلا يجزون، وضع الظاهر موضع المضمر لِمَا في إسناد السيئات إليهم من تقبيح رأيهم وتسفية أحلامهم، وزيادة تبغيض السيئات إلى قلوب السامعين، إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ إلا جزاء عملهم فقط، ومن فضله العظيم ألا يجزي السيئة إلا مثلها، ويجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة.

الإشارة: جعل الله الدار الآخرة للمتواضعين، أهل الذل والإنكسار، والعاقبة المحمودة- وهي الوصول إلى الحضرة- للمتقين الشهرة والاستكبار، وفي الحكم: «ادفن نفسك في أرض الخمول فَمَا نَبَتَ مِمَّا لَمْ يُدفنْ لاَ يَتِمُّ نِتَاجُهُ» . قال في التنبيه: لا شيء أضر على المريد من الشهرة وانتشار الصيت لأن ذلك من أعظم حظوظه، التي هو مأمور بتركها، ومجاهدة النفس فيها، وقد تسمح نفس المريد بترك ما سوى هذا من الحظوظ. هـ.

وكان شيخ شيخنا يقول: نحب المريد أن يكون قدمه أعظم من صيته، ولا يكون صيته أعظم من قدمه. هـ.

وقال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: ما صدق الله من أحب الشهرة. وقال بعضهم: طريقتنا هذه لا تصلح إلا بأقوام كنست بأرواحهم المزابل. وقال أيوب رضي الله عنه: ما صدق عبد إلا سَرَّهُ ألا يشعر بمكانه. وقال في القوت: ومتى ذل العبد نفسه، واتضع عندها، فلم يجد لذلته طعماً، ولا لضعته حسماً، فقد صار الذل والتواضع كونَه، فهذا لا يكره الذم من الخلق لوجود النقص في نفسه، ولا يحب المدح منهم لفقد القدر والمنزلة في نفسه. فصارت الذلة والضعة صفة لا تفارقه، لازمة لزوم الزبالة للزبال، والكساحة للكساح، هما صنعتان له كسائر الصنائع. وربما فخروا بهما لعدم النظر إلى نقصهما. فهذه ولاية عظيمة له من ربه، قد ولاّه على نفسه، وملّكه عليها، فقفرها بعزه، وهذا مقام محبوب، وبعده المكاشفات بسرائر الغيوب. ثم قال: ومن كان حاله مع الله تعالى الذل طلبه واستحلاه، كما يطلب المتكبر العز، ويستحليه إذا وجده، فإن فارق ذلك الذل ساعة تغير قلبه لفراق حاله، كما أن المتعزز إن فارق العز ساعة تكدر عليه عيشه لأن ذلك عيش نفسه. هـ.

قلت: وهذا مقام من المقامات، والعارف الكامل لا يتغير قلبه على فقد شيء إذ لم يفقد شيئاً بعد أن وجد الله، (مَاذَا فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ) . والذي ذكره في القوت هو حال السائرين الصادقين. وبالله التوفيق. «١»


(١) من مناجاة سيدى ابن عطاه الله السكندرى، انظر الحكم بتويب المتقى الهندي/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>