يقول الحق جلّ جلاله: وَعاداً وَثَمُودَ أي: اذكر عاداً وثموداً، أو أهلكنا عاداً، وثموداً، يدل عليه فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ لأنه في معنى الإهلاك، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ ما وصفنا من إهلاكهم مِنْ مَساكِنِهِمْ الدارسة. أو تبين لكم بعض مساكنهم الخربة إذا مررتم بها خالية. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ من الكفر والمعاصي، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ عن الطريق الذي أُمروا بسلوكه، وهو الإيمان بالله ورسوله. وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ متمكنين من النظر والاستبصار وتمييز الحق من الباطل، ولكنهم لم يفعلوا. أو عارفين الحق من الباطل بظهور دلائله، لكنهم عاندوا، حسداً. يقال: استبصر: إذا عرف الشيء على حقيقته. أو: متيقنين أن العذاب لا حق بهم بإخبار الرسول، لكنهم لجّوا. أو: مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها.
وقال الفراء: عقلاء ذوو بصائر، يعني: علماء في أمور الدنيا، كقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ... «١»
الآية. وقال مجاهد: حسبوا أنهم على الحق، وهم على الباطل. هـ.
وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ، أي: أهلكناهم، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ فائتين، بل أدركهم أمر الله فلم يفوتوه. يقال: سبق طالبه: فاته، فَكُلًّا أَخَذْنا عاقبناه بِذَنْبِهِ، فيه رد على من يُجوز العقوبة بغير ذنب. قاله النسفي، وهو جائز عقلاً في حقه تعالى، لكنه لم يقع لإظهار عدله. فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً
أي: ريحاً عاصفة فيها حصباء أو: مَلِكاً رماهم بها.
قال ابن جزي: فيحتمل عندي أنه أراد به المعنيين لأن قوم لوط هلكوا بالحجارة، وعاداً هلكوا بالريح. وإن حملناه على المعنى الواحد نقض ذكر الآخر، وقد أجاز كثير من الناس استعمال اللفظ الواحد في معنيين، ويقوي ذلك إن المقصود عموم أصناف الكفار. هـ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ كمدين وثمود، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ كقارون، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا كقوم نوح، وفرعون وقومه، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ فيعاقبهم بغير ذنب إذ ليس ذلك من عادته- عز وجل-، وإن جاز في حقه، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالتعرض للعذاب بالكفر والطغيان، وبالله التوفيق.