يقول الحق جلّ جلاله: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أصناماً يعبدونها، أي: مَثَلُ من أشرك بالله الأوثان في الضعف، وسوء الاختيار، كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، أي: كمثل العنكبوت فيما تتخذه لنفسها من بيت فإنه لا يدفع الحر والبرد، ولا يقي ما تقي البيوت، فكذلك الأوثان، لا تنفعهم في الدنيا والآخرة، بل هى أو هى وأضعف، فإن لبيت العنكبوت حقيقةً وانتفاعاً عاماً، وأما الأوثان فتضر ولا تنفع، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ أي: أضعفها لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لا بَيْتَ أوهن من بيته إذْ أضعف شيء يسقطها. عن عليّ رضي الله عنه:«طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه يُورث الفقر» .
والعنكبوت يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث، ويجمع على عناكيب وعناكب وعِكاب وعكَبَة وأعكُب.
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ لعلموا أن هذا مثلُهم، وأنَّ ما تمسّكوا به من الدين أرق من بيت العنكبوت. وقال الزجاج:
تقدير الآية: مثل الدين اتخذوا من دون الله أولياء، لو كانوا يعلمون، كمثل العنكبوت. وقيل: معنى الآية: مَثَلُ المشركِ يعبد الوثن، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله، مثل عنكبوت تتخذ بيتاً بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً بآجُرٍّ وجص، أو جص وصخور، فكما أن أوهن البيوت، إذا استقرأتَهَا بيتاً بيتاً، بيت العنكبوت، كذلك أضعف الأديان، إذا تتبعتها ديناً ديناً، عبادةُ الأوثان.
وقال الضحاك: ضرب مثلاً لضعف آلهتهم ووهنها، فلو علموا أن عبادة الأوثان، في عدم الغنى، كما ذكرنا في المثل، لَمَا عبدوها، ولكنهم لا يعلمون، بل الله يعلم ضَعف ما تعبدون من دونه وعجزه، ولذلك قال: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ «١» مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، أي: يعلم حاله، وصفته، وحقيقته، وعدم صلاحيته لِمَا تؤملونه منه، فما:
موصولة، مفعول «يعلم» ، وهي تامة، أي: يتعلق علمه بجميع ما يعبدونه من دونه، أيّ شيء كان. أو ناقصة، والثاني محذوف، أي: يعلمه وهياً وباطلاً. وقيل: استفهامية معلقة، وأما كونها نافية فضعيف، و «من» ، الثانية للبيان، ومن قرأ بالخطاب فعلى حذف القول، أي: ويقال للكفرة: أن الله يعلم ما تعبدونه من دونه من جميع الأشياء، أو: أيّ شيء كان.
وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا شريك له، الْحَكِيمُ في ترك المعاجلة بالعقوبة، وفيه تجهيل لهم، حيث عبدوا جماداً لا علم له ولا قدرة، وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء، الحكيمُ الذي لا يفعل إلا لحكمة وتدبير.
وَتِلْكَ الْأَمْثالُ الغربية، أي: هذا المثل ونظائره نَضْرِبُها لِلنَّاسِ نبيّنها لم تقريباً لما بَعُدَ عن أفهامهم. كان سفهاء قريش وجهَلَتُهم يقولون: إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من
(١) قرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب: يدعون بياء الغيب. وقرأ الباقون بالخطاب. انظر: الإتحاف ٢/ ٣٥١.